لا نعرف الغيب، لكنّ المقدمات توحي لنا بالنتائج، وأبواب الحياة تكون مغلقة في حين ولكنها قد تكون موارية في أحيانٍ أخرى، فنسترق النظر ونُرهف السمع ونتأمل هنيهات فنلمح جزءاً من معالم الطريق وحيثيات الرحلة وربما بعض القمم والمنعطفات أو حافة الهاوية فتتمايز ردّات فعلنا، وهنا تتفاضل النفوس!.
ووفق ذلك نستطيع أن نتصور سيناريو كامل لعمرنا يحوي بقية الأحداث التي بُنيت على الاستهلالات، ونأخذ بالاحتياطات ونطمئن بالضمانات، أليس كذلك؟!
لا، ليس الأمر بهذه البساطة، ومنذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا تُثبت لنا الأيام عكس هذه النظرية لا سيما بما يتعلق بالأرزاق المادية وحتى المعنوية.
هِب أنكَ استلمت رسالة ما، نصيّة كانت أم الكترونية، والثانية أدق وصفاً في حالتنا، تتضمن شيء أو أشياء تتعلق بك أو بجزئية خاصة بعملك أو حياتك، بين الأسطر تتهلل أساريرنا بالفرح ومايلبث أن ينطق وجهنا بالألم، ويأخذنا الحماس لمعرفة ماسيحدث، فالأمور بخواتميها كما يقولون، لكن فجأة، تنتهي الرسالة وقد تكون آخر كلمة ينقصها حرفين، والمعنى لم يكتمل مما يدل على أن هناك المزيد، لكنه حذف أو فُقد أو الله أعلم.
جزء من النص: محذوف أم مفقود أم ماذا؟!
سؤال يراودنا بلا شك، وعلى سبيل المزاح قد يتذكر البعض منا تلك الرسائل التي كانت تصلنا من الهواتف الالكترونية القديمة (نوكيا) مثلاً، لاسيما المرسلة في الأعياد والمناسبات الرسمية، وبعد كمٍ من الغزل والثناء والمديح ينقطع النص عند كل عام وأنتم...
ونحن ماذا؟
لا بأس، فالمعنى في قلب الشاعر، وعلى حسب المُرسِل سنعرف الدعوة إن كانت لنا أم علينا.
عودة إلى بدء، وردّاً على سؤالنا، قد تكون معرفة الاجابة عليه فيها الكثير من الصعوبة أو حتى التعقيد، فهناك جوانب عديدة تتأثر بالمعتقدات الفكرية والعلمية للشخص.
لكننا سنركز على نقطة واحدة، فالبقية تحتاج إلى اسهاب بالبحث، لا يسع المقال ذكرها جميعاً.
هناك حكمة في كل شيئ يحصل لنا، قد لا نعلم الغاية من الكثير منها، وكذلك الأرزاق فهي كثيرة ومتشعبّة، قد نعلم الطرق والأسباب لها ومن ثم النتائج، (فلكل فعل ردة فعل تساويه في القوة وتعاكسه في الاتجاه)، وهي قاعدة فيزيائية تنطبق أحيانا في حياتنا العامة، وقد لا نعلم ماذا بمقدورنا أن نفعل أو حتى المغزى من منحها لنا أو منعها عنّا أو تعسيرها.
يختزل لنا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) الكثير من الكلام بقوله:
"الرزق رزقان، رزق تطلبه ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك فلا تحمل هم سنتك على هم يومك، كفاك كل يوم على ما فيه، فإن تكن السنة من عمرك فإن الله تعالى سيؤتيك في كل غد جديد ما قسم لك، وإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهم فيما ليس لك، ولن يسبقك إلى رزقك طالب ولن يغلبك عليه غالب ولن يبطئ عنك ما قد قدر لك".
يقدم لنا الامام (عليه السلام) درساً جميلاً عن طريق هذه الحديث، نختصره في كلمة واحدة وهي: السعي، السعي في كل الأحوال، وهذه هي مهمتنا الوحيدة بالفعل، اسعَ واترك الباقي على الله، لا تفكر، ولا تقلق ولا تخمّن وتتوقع الكثير أو حتى القليل، وهذا لا ينافي الطموح، فهو من إحدى مفردات السعي، لكن حالة الانسان الفكرية والنفسية يجب أن يغلب عليها التوكل والاطمئنان وهذا محل الشاهد.
فعندما يضعك الله سبحانه وتعالى في طريق، يعينك للوصول إلى نهايته ويطلب منك أيضاً الجهد اللازم، وحتى إن كان نصك غير مكتمل، قد يكون المعنى مخبأ بين الأسطر، أو حُذف لغاية ما، فقط ثق بخطة الله، ودعه يتولى زمام الأمور، (فمن فوّض أمره إلى الله لا ينبغي أن يتعقّب تدبيره).
اضافةتعليق
التعليقات