نحب عطورا قد لا تمس للجمال بصلة فقط لانها قديمة، نحب اشياء طالما كرهناها في عهد الطفولة، شُغفنا بأكلات لم نستسغها في ماضٍ بعيد، نعشق اصوات كانت تشكل مصدر ازعاج لنا، احاسيس تنتقل بنا من الاعجاب الى الكره ثم الى الحب.
فنتوق الى ماضٍ كنا نريد ان نرميه بسرعة، يجرنا الحنين الى ايامٍ تجرعنا فيها الالم..
ترى هل هذا اضطراب في السلوك الانساني ام انها فطرة؟
سنتعرف على امر مهم وهو خانة الذاكرة وهذه الخانة تحتفظ بأشياء وامور حدثت في الماضي وعندما يمر عليها الزمن تقوم هذه الخانة بأخراجها كنسائم حنين، فنعتصر الماً لاحداث وايام واشخاص قد كانوا مصدر ازعاج لنا..
هذه الخانة وظفها الله تعالى لتكون مرجَعا للنفوس، لذلك احيانا نرى اشخاص في مرحلة الكهولة تعود تصرفاتهم الحالية الى تصرفات متوارثة من ابائهم والمترسخة في هذه الخزنة اللاشعورية، فتصرفات الجد والاب التي كانت لاتروق لهم ولم يحبذوها نراهم يميلون اليها ويتصرفون وفقها ومنه ماورد عن الامام الصادق عليه السلام: (يحفظ الابناء بصلاح ابائهم).
فإذا كان السلوك المحفوظ في هذه الخزنة، سلوك سليم ينتقل تلقائيا ويُعاد للانسان عن طريق سطوة الذاكرة.
كما نلاحظ في اجدادنا وآبائنا عندما يبلغون مرحلة الخَرِفْ تبدأ ذاكرتهم بفقد اغلب الامور التي حدثت متأخرة ويذكرون امورا كانت في شبابهم او في طفولتهم، وهذا ما لمسته عندما تحدثت الى شخص تعدى المائة من عمره وقد فقد اغلب ذاكرته فهو لايذكر سوى احداث حدثت في العشرينيات من عمره ويذكر بعض الامور البسيطة جدا عن طفولة اولاده، اما اغلب الاحداث المتمركزة في ذاكرته فكان النصيب الاكبر لأماكن طفولته، وكان ممن تعلم القرآن في صغره فعندما كنتُ اجلس معه لارتل عليه بعض من ايات القران الكريم وعندما كنتُ اقرأ بعض الكلمات بصورة غير صحيحة كان يُعيدها اعتمادا على ذاكرته فيلفظ اللفظ الصحيح.
لذلك فان مقولة: (التعلم في الصغر كالنقش على الحجر)، اشارت لخزنة الذاكرة، فهي تسترجع ما تثبت في عقل الانسان في صغره.
فأنت عندما تعلم طفلك القراءة الصحيحة للقران الكريم منذ صغره، وجعل الطفل يحفظ بعض من سور القران الكريم او القران كله -صحيح في بادئ الامر قد يتذمر الطفل ويسخط على المدرسة التي تجبره على الحفظ - مؤدى ذلك انك حفظت بقاء القران الكريم في تلك الخانة التي تساعده على استرجاع القران الكريم متى ماشاء حتى وان نسيه تماما فمجرد ان يستمع الى صوت القارئ الذي قد يكون مجبرا لسماعه في حينها فتستفيق تلك الذاكرة لاستعادة ما تم حفظه، فأستثمار مثل هذه الطاقة التي جعلها الله لخدمة الانسان يعد امرا عظيما، فغرس تعاليم اهل البيت واحاديثهم، وبعض السلوك الانساني الجيد، فأنك قد جَذّرتَ قيما تضمن عدم اقتلاعها بسهولة.
ففي تعليم الصغار الصلاة الصحيحة يقول الرسول الاكرم: (مروا صبيانكم بالصلاة اذا بلغوا سبعا)،
بالرغم من إن الولد تجب عليه الصلاة احيانا بعد الثانية عشر من عمره وحسب شروط البلوغ
إن الله تعالى اسبغ علينا بنعم ظاهرة ونعم باطنة وهذه احدى النعم الباطنة التي منّ الله علينا بها
فالنستثمر هذه النعم في كل مافيه صلاح لنا وللاجيال القادمة.
اضافةتعليق
التعليقات