من منا لم تتصدر كلمة "الظروف السيئة" جمله؛ كمبرر رئيس لمعظم حالات الفشل أو الإخفاق في تحقيق شيء ما، فتلقائياً يجب أن نبرر هذا الفشل بلعن الظروف، ومصاعب الحياة والمشاكل التي تواجهنا وتمنعنا من تحقيق أي شيء له قيمة.
وصف الأديب "ميخائيل نعيمة" حال التلاميذ في الامتحانات آخر السنة الدراسية ثم قال: ولكن الناجحين والراسبين لا يلبثون في النهاية أن يخوضوا المعركة الكبرى - معركة الحياة القاسية - حيث الكفاح على أُشُّده وحيـث يمتحنون في كل لحظة امتحاناً لا محاباة فيه ولا تزوير وأما المواد التي يمتحنون فيها فأكثر من أن تنحصر بين دفتي كتاب بل بين دفات ألف كتاب، فهي تتناول جميع ما يقولون ويفعلون، وجميع ما يضمر ويظهرون.
والأنكى من ذلك أنهم لا يبصرون لفاحصيهم وجهاً، ولا يسمعون صوتاً، ولا يعرفون لهم مقراً، فكأنهم في كل شيء مما على الأرض والسماء، بل كأنهم في كل زمان ومكان لا تفوتهم شهوة ولا نية يستتر عن أبصارهم فكر ولا خيال، فهم بحق فاحصو القلوب والعارفون بذوات الصدور.
وما أكثر ما نرى الناجحين في الامتحانات المدرسية يرسبون في امتحانات الحياة وما أكثر ما نرى الراسبين ينجحون ثم ما أكثر الذين ما كان لهم من الدراسة أي نصيب، أو كان نصيبهم منهم جدّ ضئيل، ولكنهم، مع ذلك، تمكنوا من شق طريقهم إلى مقدمة الركب البشري، فليس أدعى إلى الشفقة من حامل بكالوريا يطرق أبواب دواوين الدولة ناشداً وظيفة فلا يحظى بوظيفة، وأبواب رجال الأعمال طالباً عملاً فلا يجده، وهكذا ينتهي إلى القنوط والخمول، ويتكئ على عكاز الحظ وينتظر في طابور الحصول على الفرصة الذهبية.
وكم من دكتور في الفلسفة انزوى في معهد من معاهد التدريس الثانوية وهو راض من جهده بالكفاف، فلا يشع منه نور فلسفة، ولا يكاد يعرف بوجوده إلا طلابه وذووه .
وليس أدعى إلى الإعجاب من رجل رسب في امتحاناته المدرسية ونجح في امتحانات مدرسة الحياة، فأصبح علماً من الأعلام، ومنارة يهتدي بنورها أو - على حد قول القدامى - سارت بذكره الركبان.
قال الكاتب الأمريكي الشهير "دايل كارنيجي": إنَّ مقياس النجاح الحقيقي للمرء، ليس فيما يبلغه دخله عمله أو من مقدار رصيده في المصارف وما يملك من أطيان وعمارات لأن عنصر الحظ يلعب دوراً هاماً في كسب المال كما أنه قد يكون على حساب الشرف والكرامة والأخلاق ولكن مقاييس النجاح تتوقف على مدى استغلال المرء لمواهبه ومدى إفادته من الفرص وتغلبه على ما يصادفه من متاعب وعقبات.
إن كثيرين من رجال الأعمال الذين تحسدهم وتعجب لما أحرزوه من تقدم ونجاح في أعمالهم أشقياء فعلاً وأبعد ما يكونون عن السعادة وسلامة النفس لأنهم ركزوا كل جهودهم واختصوا بكل أوقاتهم ناحية واحدة وتركوا النواحي الأخرى.
وعلى النقيض من ذلك، يندر أن تجد شخصاً نجح نجاحاً كبيراً في حياته كزوج أو والد أو مواطن أو إنسان قد فشل فشلاً ذريعاً في جميع ميادين الحياة الأخرى، والسبب في ذلك أن النجاح في هذه النواحي يستلزم كثيراً من الصفات التي تعزز النجاح في ميادين العمل، فالشخص الذي ينجح في حياته الزوجية، لا بد أنه قد نجح في تنمية شخصيته وفهم نفسه وعرف كيف يتحكم فيها، وهو حري أن ينجح كوالد، وما لم تعاكسه الظروف يغلب أن ينجح كإنسان.
ولكي نعيش كما ينبغي، لا يكفي أن نعيش لأنفسنا، وإنما يجب أن نعيش في إنسجام مع البشرية التي نحن منها، فلو أن الإنسان كان جسمـا فحسب، لكفانا من الحياة الناجحة المحافظة على ذلك الجسم وإمتاعه بغض النظر عمن يعيشون معنا وحولنا. ولو كان جسماً وعقلاً فحسب، لكانت الحياة الناجحة هي العناية بهمـا ومراعاة الانسجام بينهما بغض النظر عن جميع الاعتبارات الأخرى. ولو كان جسماً وعقلاً وروحاً فحسب، لما استلزمت منا الحياة الناجحة سوی المحافظة على سلامة الجسم والعقل والروح. ولكن الإنسان شيء أكبر من هذا، فهو جسم وعقل وروح داخل الجسم الأعظم، وهو كذلك العقل الأعظم والروح الأعظم للجنس البشري .
في عام 1977م قامتْ السيدة الأمريكية "لورا شولتز" البالغة من العمر 63 عاماً برفعِ مؤخرة سيارة وحدها لتُحرِّر ذراع حفيدها من تحتها! لم تكُن لورا رافعة أثقال، ولم يَسبق أن دخلتْ نادياً رياضياً، على العكس تماماً كانت جدَّة تقليدية تشكو اآلاماً في عظامها ووهناً في مفاصلها، غير أنها عندما رأتْ ذراع حفيدها تحت إطار السيارة جاءتها قوة رافع أثقال أولمبي!.
وعندما سألها الصحفي "تشارلز جارفيلد" في مقابلة معها، فتفاجأ أنها حزينة، ولا ترغب بالتحدث في الأمر، وعندما ألحَّ عليها ليعرف سبب حزنها رغم أنها قامتْ بعمل بطولي أشبه ما يكون بمعجزة وأنّه لولا أن الحادثة قد تمَّ تصويرها لم يكن لأحد أن يصدق أن هذه المرأة العجوز استطاعت أن ترفعَ مؤخرة السيارة وحدها! فقالتْ له: "أنا حزينة لأني اكتشفتُ في الوقت الضائع من حياتي سرّ الحياة برمتها، نحن نستطيع أن نفعل المعجزات إذا آمَنّا بقدرتنا وكان لدينا الرغبة والحافز" .
ويظهر من تقييم أحوال آلاف الرجال والنساء من الذين فشلوا في أعمالهم أن ضعفهم في القدرة على اتخاذ القرار المناسب كان في رأس لائحة أسباب فشلهم .
كذلك يظهر من تحليل حالات مئات الأشخاص من الذين نجحوا في أعمالهم أنهم كانوا سريعين في اتخاذ القرار كما كان تغيير ذلك القرار - حال الحاجة إلى تغييره - بطيئاً جداً عندهم. ويظهر التحليل ذاته أن الأشخاص الذين فشلوا - ومن دون استثناء - كانت لديهم عادة اتخاذ القرار ببطء كبير، بينما كانوا يغيرون ذلك القرار بسرعة كبيرة وأحياناً مراراً متعددة. كما يعد الإنصات إلى دواخل النفس وحثها على النجاح من حيثيات التفوق فالنجاح حليف الثقة بالنفس كلما زاد زاد الإصرار لتحقيق الهدف ستصل حتما إلى نقطة الوصول.
اضافةتعليق
التعليقات