كنا في الماضي, ما إن يهلّ هلال رمضان معلناً قدوم شهر كريم, حتى تعم اجواؤه الروحانية, ونسماته العليلة, فتبدأ احتفالات الصغار الترحيبية, وتعلوا اصواتهم بالاناشيد المعلنة عن بـدء شهر الخير والبركات, ويشتعل الشوق بأنتظار اول ايامه, فـلطالما كانوا بأنتظار ليالي رمضان الجميلة, واطباقه وحلوياته اللذيذة, يجلسون حول مائدة السحور كالأسود متأهبين ومستعدين لصيام يومهم, ليعلنوا انتصارهم وقوتهم, أما حالهم عند الافطار, فتراهم كـالعصافير الجائعة, متحلقين حول المائدة, بأنتظار الاذان؛ ليصدح صوته في كل صوب وأتجاه.
أما في الجانب الاخر, ترى الكبار, وقد كبر معنى رمضان في نفوسهم, وسمى الفؤاد بمعانيه, هم مازالوا ينتظرونه, يخططون لأيامه, ولسهراته العامرة والمشوقة, بين الافراد والاحباب, تراهم يقضونها بين الحكايا الممتعة, والتسالي الرائعة, ولايتناسون اجواءه الساحرة من تلاوة القرآن فيه, وصلاة خاشعة تملأ الجوارح راحة وسكينة, يتقلبون فيها بين ركوع وسجود, ودعوات يرفعونها لله مشفوعة بما جادت بـه العيون من دمعات, وماأخفت الأيدي من صدقات, ليعلنوا توبتهم في هذا الشهر الفضيل, تاركين شهوات زائفة, ومغريات تافهة.
أما اليوم؛ فترى رمضان قد أتى كـما كل شهر, فلم يعد ذلك الموسم الروحاني, الذي يتطهر فيه المسلمون من ادران الذنوب بـل أصبح في زماننا مضماراً لسباق الشهوات, وفعل المنكرات, وإضاعة الاوقات, والتي أفرغت صيام رمضان من معانيه العظيمة, فأصبح الاغلب لا ينالهم من صيامهم إلا الجوع والعطش.
ظواهر شتى في عصرنا, تعكر علينا صفوة الحياة الرمضانية, وتسلبنا روعة المناجاة في لياليه الزكية, لعلنا نذكر شيئاً من تلك الظواهر, أولاها: تلك العادة القديمة المتجددة والمتزايدة, والتي طالت آفتها جل بيوت المسلمين,(ظاهرة الاسواق), وهنا في هذا المقام حدّث ولاحرج!!
أسواق عامرة, بالناس قبل البضائع, كل يلهث وراء جيبه, لـينفق كل مافيها فيملأ ثلاجته وخزائن بيته, بـما لذّ وطاب له من جميع أصناف السلع والمنتجات, ماعرفت وما لم تعرف!! ترى المرأة قبل الرجل والكبير قبل الصغير.
الأدهى والامرّ من ذلك كله ظاهرة ظهرت حديثاً, وانتشرت في مجتمعاتنا انتشار النار في الهشيم, فـلا يكاد يخلو بيت من البيوت إلا وفيه وسيلة من وسائله, وأصبحت تنظر الى جلسات السمر فتراها تلوذ بالصمت, فـكل فرد مشغول بـهاتفه, شيباً وشبّاناً, صغاراً وأطفالاً, ساعات تلو الساعات, لانشعر بها, فـمن ذلك الفيديو المضحك الى تلك الصورة المحزنة, وفي رمضان يزيد الطين بلة, فـترى صور الطبخ وقد ملأت تلك المواقع, ومن مجاملة الى اخرى, ويدّعون أنها وسائل التواصل!! بـل هي قـد تفننت بالقطيعة!! وتفننت في سلب الوقت, وتشتت الأسر, فـهي لص محترف, تأخذ منا اغلى الاوقات, وأعز الافراد دون ان نشعر بـذلك!.
اضافةتعليق
التعليقات