منذ مدة ليست طويلة أعيش حالات خاصة من التفكير اللامتناهي، التفكير المتعمق بالثغرات التي حولي، بالمشاكل والمطبات التي تواجهني، الشيء غير الطبيعي هو أني أغوص وأكون في غير وعيي تماما، مجرد أن أعضائي هي التي تتحرك وعقلي مشتت بأفكار ثانية مختلفة عما أقوم به.
وبعدما انتقل الأمر معي إلى صلاتي انتبهت لحالتي أكثر، ما إن أقول الله أكبر، حتى أجدني في عالم آخر وأعضائي في حركة غير واعية، فجأة أراني واقفة حائرة أتساءل في منتصف الصلاة، يا ترى في أي ركعة أنا الآن؟
أخذ الأمر كثيرا مني حتى كلما عدت إلى وعيي وأنا في حالة الصلاة انتابني شعور غريب وفرق واضح جدا، وكأن الله يريد أن ينبهني بأني في عالم آخر وفكري شارد جدا ولست معه!
الحالات التي أعيشها صعبة للغاية، الأفكار التي تراودني والأحداث التي أحيكها في مخيلتي هي مؤلمة وتمتص مني صحتي وطمأنينتي، لدرجة إن هذه الأفكار لا تنتهي إلاّ بعبرة تخنقني ودموع تنسكب على وجنتي بصمت كامل وألم في أيسر الصدر!
إن ما أمر به أشبه بجلد الذات.. ولكني متأكد بأن الكثير منكم يعيش بهذه الطريقة المؤلمة، وبدل أن يختم يومه بابتسامة يختمها بأفكار سوداوية ودموع لا تعرف طريقها إلى الفرح!
متفهمة للوضع الذي أمر به ولكني لا أعرف ماذا يحصل معي تحديدا، وبالصدفة وحتى أكون صادقة هي ليست صدفة إنما إشارة أو توجيه من الله سبحانه وتعالى سمعت على أثره محاضرة لأحد المشايخ وكان موضوعها الأساسي هو إلى ما يؤدي الإنسان تعمقه بالمشكلات... إلى سلب الطمأنينة منه.
لماذا نفعل بأنفسنا كل هذا؟، نستيقظ صباحا بصفحة بيضاء في عقولنا، يعز علينا أن تبقى بيضاء للحظات، ما إن نفتح عينينا حتى نحاول ملأها بأفكار سوداء فنقول مع أنفسنا، ماذا كنت أفكر بالأمس، ما هو الشيء الذي كان يقلقني دعني أتذكره وأفكر به..
مع العلم هو كان يقلقنا بالأمس، لا أدري لماذا ننقل قلق الأمس إلى اليوم الجديد؟!، لماذا ننقل إلى حاضرنا ومستقبلنا أشياءً تتعلق بالماضي؟، ماذا يطلق على الشخص المازوشي الذي يخلق الوجع لنفسه ويزحم عقله بالأفكار السامة التي تسلب عافيته وتذهب الطمأنينة من قلبه، بل وحتى تمنعه من ممارسة حياته بصورة طبيعية وتؤثر عليه سلبا وتسلب منه المتعة، المتعة في كل شيء في جمعة الأصدقاء، في تناول كوبا من الشاي في مكان هادئ، في لقاء الله عزوجل (في الصلاة) يا ترى ماذا يطلق على الذي يفعل بنفسه كل هذا؟ مريض نفسي؟
لماذا يعيش الإنسان في دائرة مغلقة من القلق والتوتر، ويسلب من نفسه الطمأنينة والسلام الداخلي.. حسنا لماذا نفعل بأنفسنا كل هذا؟
إذا كان الأمر كله يتعلق بكبسة زر من الله، ونحن كمتوكلين فعلنا كل شيء يجب أن يُفعل لماذا نقلق أنفسنا بشيء لم يعد بأيدينا وانتقل ملفه إلى الله؟ لماذا ندخن مشاكلنا مثل السيجارة وننفث دخانه في عافيتنا؟
ذلك السلام الداخلي الذي يعيشه العرفاء والفقهاء، تلك الراحة المعنوية التي يتمتع بها العلماء، بالتأكيد نلاحظ بأن هنالك هدوء خاص يطغى على شخصيتهم ليست موجودة مع أحد غيرهم، ولا حتى مع المرفهين والمترفين، ولو تساءلنا كيف تمتعوا بهذه الصفة ونالوا هذه الطمأنينة بالتأكيد سيكون الدين هو الجواب.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "سبب الفكر، الفراغ".
تدريب العقل لمدة أربعين يوما:
عندما يتعود الإنسان على التفكير بالأشياء السيئة يأخذ المنحى السلبي تماما، سواءً عند الفراغ أو عند العمل، سيكون الفكر مشغولا بأكل العقل.
ولكن تدريب العقل على التفكير بالأشياء الجيدة هو الحل الأمثل للتخلص من ترّهات الحياة ومشاكلها والترفع عن صغائر الأمور.
ويتم ذلك من خلال التفكر والذي يعتبر من أفضل العبادات.. وبالتأكيد لم يأتِ هذا الأمر عبثا ولم يجعله الله أفضل العبادات لما له من تأثير عميق على شخصية الإنسان في الدنيا والفائدة العظيمة في الآخرة.
فعندما ينشغل الإنسان في العلوم الإلهية ويتفكر ويغوص في عظمة الدين ويعرف ما يمكن الله فعله، سيصل إلى يقين تام بأن حركة الحياة بيد الخالق، ولا داعي بأن يشغل نفسه في مشاكل ليس له يد بحلها، بل سيترفع عنها ويشغل نفسه بالأمور التي وكلت إليه وطلبها الله منه، كأن يفكر بعلم الله ويقلق من أجل الدين ويحزن على ما يحصل مع المسلمين في العالم، وينصرهم بماله وسيفه ولسانه.
ولكن مجرد الكلام وقراءة هذا المقال غير كافٍ، الأمر يحتاج إلى تدريب العقل وممارسة الأفكار الإيجابية وطرد السلبية من العقل لفترة لا تقل عن أربعين يوما حتى يلتمس المجرب الإيجابية والطمأنينة إلى حياته ويشاهد إنعكاسها على روحه وشخصيته، ويشعر بالعمق والتقرب الحقيقي من الله عندما يقف على سجادة صلاته، لأنه سيكون خاليا تماما من الأمور الدنيوية وهو يقف بين المعبود وهذه بعض النقاط التي من الممكن أن تساعد في عملية تدريب العقل:
- التركيز في العمل الذي تقوم به، إذا كنت تقرأ كتاب ركز في الكلمات والمعلومات الموجودة ولا تسمح لعقلك بالشرود، وإذا شردت قليلا راقب نفسك وحاول أن تعود إلى الكتاب.
- الصلاة بصوت يمكنك سماعه، ونطق الآيات ومحاولة فهم ما تقول، وركز في حركاتك وجرب أن تقف بأدب أمام الله، وراقب نفسك بأن لا تحك أنفك، لا ترفع يدك، لا تلتفت بعينك.. هكذا سيزيد تركيزك بالصلاة أكثر.
- قبل النوم حاول مشاهدة فلم قصير مفيد أو فيديو وثائقي أو شيء ممتع يطرح عليك تساؤلات مفيدة، ويجعل عقلك يفكر في أشياء نافعة سواء كانت علمية أو دينية.
- وقت الفراغ ارمِ على عقلك موضوع معين، يخص الدين أو العلم أو شيء له أثر إيجابي على حياتك ومستقبلك... فكر بطموحاتك وأحلامك مثلا، أو فكر كيف تفرح قلب صاحب الزمان بعمل أو قول.
- التفكير في أمور المسلمين أمر مهم جدا ربما تشعر بالحزن عندما تتطلع على أحوال المظلومين والفقراء في العالم ولكن له أثر غيبي إيجابي على نفسيتك وشخصيتك، مثلا البكاء يرجع إلى الألم والحزن ولكن البكاء على الإمام الحسين له وقع إيجابي عليك، كذلك الأمر مع الحزن والهم الذي يخص المسلمين والعمل على نصرتهم إذ يقول الرسول الأكرم (صل الله عليه وآله وسلم): "من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).
- تحدد أهدافك عندما تستيقظ من النوم، مثلا اليوم سأذهب إلى العمل ثم سأذهب إلى التسوق، سأقوم بزيارة فلان، وأكتب مقال مفيد، وقبل النوم أقرأ خمس روايات للإمام الصادق (عليه السلام) وأحاول التفكر فيها، أو أشاهد فيديو يتحدث عن الحرب العالمية الثانية.
- والنقطة الأهم هو الدعاء والطلب من الله أن يسخر عقلك وروحك لما يحب ويرضى وأن تكون عونا للدين وللمسلمين وناصرا لصاحب الأمر في غيبته وحضوره.
اضافةتعليق
التعليقات