إنّ التخطيط للحياة لا يقلّ أهميّة أبداً عن التخطيط الذي يقوم به المدراءُ لشركاتهم، والمهندسون لطرق وأبنية المدينة، بل يحتلّ فوقهم درجة؛ إذ إنّ وضوح رؤيا الإنسان في حياته وسعادته بتحقيق ذاته ستجعله أقدر على أن يكون فعّالاً في عمله لبلده ومجتمعه، وبالانطلاق من هذه المقدّمة الأساسيّة، لننظر إلى حياتنا على أنّها طريق طويل يحتاج لرسم وبناء. قبل البدء ببناء هذا الطريق، نحتاج أوّلا لتحديد مجموعة القواعد والمبادئ التي علينا اتّباعها، والرؤية التي نحملها لأنفسنا في هذا العالم، والمهامّ التي تترتّب لتحقيق هذه الرؤية.
بعبارة أخرى؛ تحديد المنهج الذي سيقودنا للغاية التي نريد. هذا المنهج، أو كما يسمّيه صاحب كتاب إدارة الأولويّات ستيفن كوفي: "البوصلة"، فهو ما يوفر علينا عناء الذهاب لوجهة خاطئة، دالّاً إيّانا كيف نتصرّف في يومنا الواحد، ولمن نعطي الأولويّة في التنفيذ على المدى القصير والطويل، وتسهُل علينا المهمة بعد ذلك، فنوزّع الوقت الذي نملكه على وظائفنا ومهامّنا، متبّعين بذلك البوصلة التي حددناها لأنفسنا.
ويُعزي ستيفن كوفي الصراع الذي يعيشه الناس في توزيع أوقاتهم إلى وجود فجوة بين البوصلة (المنهج)، والسّاعة (توزيع المهمات على الوقت المتاح)، وهذه الفجوة نشعر بها عندما ندركُ أنّ ما نقوم به كلّ يوم لا يقدمنا خطوات كثيرة نحوَ ما نعتبره أولويّة وضرورة في حياتنا.
يكمن الحلّ لهذه المشكلة في إدارة الوقت بشكل فعّال وترتيب الأولويات، وهو مبدأ بسيط، إذ كلّ ما عليك فعله هو كتابة المهام التي يتعيّن عليك تنفيذها قبل غيرها، وترتيبها حسب الأهمية. لكن، هنالك مشكلة دائمًا ما تعترض عمليّة ترتيب الأولويات، ألا وهي ظهور مهام جديدة قد تكون أكثر من سابقاتها. فعالم الأعمال متغيّر على الدوام، وهناك في كلّ وقت تغييرات وتطوّرات تؤثّر على مخططاتنا. إنّ طريقة تعاملنا مع هذه التغيّرات ومدى سرعتنا في التكيّف معها تحدّد نجاحنا أو فشلنا في إتمام المهام الموكّلة إلينا.
الحاجات الضروريّة لتوازن الإنسان:
حتى نصل للرضا عن أنفسنا، هناك أربعُ حاجات إنسانيّة واجب إشباعها بصورة متوازنة، وهي كالتالي:
-الحاجات المادّية.
-الحاجات الروحيّة.
-الحاجات الاجتماعيّة. الحاجات العقليّة.
وإنّ أي نقص في واحدة منها، أو طغيان إحداها على الأخرى سيؤثّر بالضرورة على البقيّة، وتحقيق التوازن بينها لا يعني توزيع الوقت على هذه الحاجات بطريقة منفصلة، فهي متداخلة فيما بينها، وليس لأحدها وجود مستقل عن الآخر، فمثلاً إذا أراد شخص تحسين دخله المادي بالانشغال بعمل لا يحبّه ولا يهواه، سيؤثر هذا بلا شكّ على حالته النفسية، ويكون الحلّ بأن يشتغل بما يحبّ حتى يحقق التوازن بين حاجاته الروحيّة وحاجاته المادّية.
ولترتب أولويات حياتك أتقن هذه العادات والتزم بها كنقاط ذهبية في حياتك:
هل تتطلع لتحسين نفسك وزيادة إنتاجيتك، وتحاول أن تضيف بعض المهام لعملك أو حياتك وتجد صعوبة؟ ما رأيك أن تنتظر لحظة وتفكر في أهم العادات التي تساعدك على ترتيب أولوياتك:
- رتب يومك: لديك 24 ساعة وإذا كنت ممن يحرصون على نيل قسط كافٍ من النوم (7-8 ساعات)؛ تمتلك 16-17 ساعة بشكل يومي، وأنت المسئول عن ترتيبها بما يضمن لك تحقيق أولويات حياتك، وحتى لو قمت بقراءة كل كتب التطوير الذاتي واستعنت بمدرب حياة ممتاز، فإنك لن تحقق أولويتك في الإنتاج مثلاً.. إذا لم يكن يومك مرتباً ومتناغماً، قد تقول: "لكن من يريد أن يقيد حياته بجدول؟ هذا عبئ وروتين لا طائل منه!".. حسناً عليك أن تعرف غرضك من هذا اليوم على الأقل.
- اختر طعامك بحكمة: تحدثنا في النصائح أعلاه عن أهمية الخيارات الصحية، لكن عليك أن تؤسس لعادة جيدة في كيفية اختيار الطعام وطريقة الأكل، ربما ستقول في هذه النقطة تحديداً: "يكفيني ما في حياتي من مشاكل كيف لي أن التفت لما يدخل معدتي أيضاً، الموضوع يتعلق بسدّ الجوع"، وأتمنى أن يتعلق بسد الجوع فعلاً، إلا أن اضطرابات الحياة المعاصرة وما يرافقها من اضطرابات الأكل ووجود الخيارات الاستهلاكية غير الصحية، ستدعوك بدافع محبتك لذاتك لتبني عادات صحية في الطعام أولاً، وهذا ما تؤكده خبيرة موقع حلوها في تطوير الذات الدكتور سناء عبده في استشارة لصديق الموقع الذي يسأل عن أهم علامات حب الذات: "إنها تجعل الانسان يهتم بصحته ونفسه فمثلا من يحب ذاته يتغذى تغذية جيدة ويبتعد عن كل مهلكات النفس من التدخين والخمر والمخدرات وكل ما يسيء لصحته، كما أن من يحب ذاته ينام جيداً ويهتم بنظافة جسمه"، بالإضافة إلى ممارسة التمارين الرياضية، وترتيب أولويات النوم.
- أوقف العادات التي تقتل أحلامك: توقف عن التسويف وإضاعة الوقت، توقف عن المحاولة كي تكون كاملاً ومثالياً، توقف عن انتظار التحفيز والوقت والتشجيع والمال؛ كي تبدأ شيئاً تحبه أو مشروعاً تخطط له، (هذه العادات تقتل أحلامك ببطء).
- بناء علاقات هادفة وطويلة الأمد مع الأشخاص: الأصدقاء والأشخاص المؤثرين في حياتك، يمثلون كنزك الحقيقي، وهم من يضيفون قيمة لحياتك.
- التزم بشغفك والأشياء التي تبعث السعادة في قلبك: مهما كانت بسيطة مثل هواية جمع الطوابع (من الممكن أنها انقرضت أو على وشك)، أو الرسم، يمكنك بعد انهاء كافة التزاماتك وأولويات العمل والأسرة أن تخصص بعض الوقت لها، لأن هذه الأشياء الصغيرة المهمة؛ تعيد ترميم روحك مهما أتعبتها ظروف الحياة والعيش اليومي، وأعباء أداء أولويات كل يوم.
- استثمر في تطويرك الذاتي: "ليست هناك حدود، لكن هضاب... وعليك أن تتجاوزها وإن قتلك ذلك فليقتلك".. بالطبع أقدر هذه العبارة للأسطورة بروس لي، كما أنك تحب سماع هذه العبارات التحفيزية أيضاً، لكني أعلم وأنت تعلم جيداً أن هناك حدوداً عاطفية شديدة الوطأة علينا جميعاً وفي لحظات معينة قد تكون نتيجتها الشلل الفكري إذا صح التعبير، لذا أنت بحاجة لشخص لديه منظور خارجي للعمل على حل الحواجز العاطفية لديك، لذا وإذا كنت بحاجة لمعالج نفسي أو كانت حاجتك لمدرب مهارات الحياة أو استشارة فقط، فلا تكن بخيلاً على نفسك.
- قوة الامتنان: لكل الأشياء الجميلة والمهمة في حياتك، وبغض النظر عما تنجزه، فلن يكون كافياً لإرواء عطشك، ولهذا السبب عليك الاحتفال بالأشياء الصغيرة، والسماح لقلبك بالابتسام.
- العفوية والتوازن في كل شيء: حيث يساعدك الانضباط في تحقيق الفعالية والإنتاجية في عملك وحياتك، لكن الانغماس في الآن واللحظة الحالية، هو ما يحقق الدافع والسعادة في حياتك.
- لا ترفع توقعاتك من الآخرين: "لا تتوقع كثيراً من الآخرين حتى لا يخب أملك".. لو كنت سمعت هذه العبارة قبل سنوات، ربما أصابتني بذعر شديد، حيث كان لدي ما يشبه التفاؤل المرضي بالآخرين! لكني تعلمت بأنه عليك معرفة نفسك وتقدير الآخرين بما هم عليه، ويمكنك أن تبدأ بوضع الحدود مع الآخرين.
- تعلم من الفشل: والأخطاء في الماضي ليست استثناء أيضاً، فهي جزء من عملية التعلم، لذا توقف عن منحها قوة على حياتك في حاضرك ومستقبلك.. أكثر مما تستحق، وابدأ في فهم الماضي بما هو عليه، أي على أنه فرصة لتتعلم وتحسن معرفتك.
- المرونة: فلا ترتبط وتتقيد بالأفكار والخطط والتوقعات، مع العلم أن المرونة تخلق القدرة على التكيف، والتي تبني السعادة وتحافظ على النجاح، وهذه واحدة من أهم العادات التي تساعدك في ترتيب أولويات حياتك.
اضافةتعليق
التعليقات