لقد تغيرت كثيراً.. الجملة الدراماتيكية التي تقال في العلاقات التي تمر بآخر لحظاتها وهي تحاول جاهدة أن تسحب أنفاسها الأخيرة، لكن بلا جدوى، أو الأشخاص الذين يلعب الغياب معهم لعبة الغميضة ثم تفتح الصدفة عينها معهم لحظات ليلتقوا في شارع مزدحم، أو في حفل زفاف صديق قديم أو أي مكان لا يخطر على بال أحد، وبعدها تعود لعبة الغياب معهم من جديد.
ربما هي الحقيقة الوحيدة التي يصعب تصديقها، ولكن فعلا البشر يتغيرون، بإرادتهم أو رغما عنهم، إلا إن التغيير وارد في كل الأحوال، فهنالك التغيير الإيجابي الذي يلتمسه الفرد بنفسه لتطوير ذاته من خلال زيادة معرفته وعلومه فيزداد نضوجا ويرتفع علما.
إذ إن المعلومة الواحدة تزيد الإنسان معرفة وترفع من درجة علمه، فقد نشاهد اليوم شخصا بمعلومات اعتيادية، ونلتقي به بعد فترة معينة نجده رجلا ناضجا ولبقا وذات شخصية متزنة ومثقلة بالثقافة والعلوم.
وأكبر الدليل الأطفال الذين يرتادون المدرسة اليوم سيخرج منهم غداً الطبيب والصيدلاني والعالم والبروفيسور... الخ.
أليس هذا بتغيير؟ بالتأكيد هو تغيير ومن نوعه الإيجابي الذي لا يولد بمحض صدفة إنما يحتاج إلى التوكل على الله وإلى جهود شخصية ومتابعة مستمرة.
كما أن طبيعة الرفقاء تلعب دورا كبيرا في هذا الأمر، فمثلا لو أن هذا الرجل الذي ارتفعت محصلة ثقافته كان في السابق يمتلك أصدقاء جهلاء بالتأكيد لن يميل اليوم لهم وسيحاول أن يكوّن صداقات جديدة نافعة، لأن اهتماماته باتت تختلف عن اهتمامات أصدقائه، لهذا السبب من الممكن أن يقولوا عنه أصدقائه القدامى بأنه تغير عليهم، أو تكبر، لأنه لم يعد يرافقهم أو يقضي الوقت معهم في أمور تافهة.
ومثلما هنالك تغيير إرادي هنالك تغيير غير إرادي فبعض الأشخاص تتكفل الظروف بتغييرهم، ربما قد شاهدت صديقا لم تلتقِ به منذ خمس سنوات كنت تعرفه بروحه المرحة وحسه الفكاهي، إلاّ أنك تفاجأت به اليوم بملامح لا تعرفها، وجه بائس ونظرات منكسرة، وهمست فورا بداخلك، "يا الله كم تغير فلان".
هذا الشخص الذي شاهدت عليه هذا التغيير الكبير ربما قد مر بموقف أو أيام اثقلت كاهله وغيرت روحه المرحة إلى روح بائسة، الظروف كانت كفيلة بأن تسرق منه الابتسامة وتزرع في وجهه خطوط الألم.
هذا التغيير هو سلبي ولكنه ليس إشعار أخير بأنها نهاية الحياة فالإنسان المؤمن الذي يسلم أمره لله ويكون راضيا بقضائه من الممكن أن يخرج من المحن دون ندوب.
كما أن طلب القوة من الله يحمي الإنسان من الإنكسارات الكبرى، ويخلق له درعا واقيا من الصدمات..
فالإنسان بكل أحواله معرض للتغير سواء برغبته أو بغيرها، للأسوء أو الأحسن، نحن لا نستطيع أن نمنع الناس من التغير ولكن بإمكاننا أن نحدد طبيعة علاقاتنا معهم بعدها.
وليبقى الهدف الأسمى لكل انسان التغير نحو الأفضل، فارتقاء الأمم وتطورها تبدأ من تغير شخص واحد وتتسع الحلقة تدريجيا لتشمل شعوبا كاملة.. ولو بدأ كل فرد من نفسه لوصلنا وحققنا أهدافا بعيدة المنال.
اضافةتعليق
التعليقات