التعلم الاجتماعي والإشارات تأثيرهم قوي بشكل لا يصدق، ومنهجية «السلامة أفضل من الندم» التي يتبناها المخ عندما يتعلق الأمر بالأخطار، تعني أنه إذا رأينا شخصا يخاف من شيء ما، تكون هناك احتمالية كبيرة أن نخاف من هذا الشيء أيضاً.
وينطبق هذا أكثر بشكل خاص على مرحلة الطفولة، عندما تكون معرفتنا عن العالم ما تزال تنمو، بواسطة المدخلات التي تأتينا من الآخرين إلى حد كبير، والذين نفترض أنهم يعرفون أكثر مما نعرف، وبالتالي إذا كان آباؤنا لديهم رهاب قوي بشكل بارز، هناك احتمالية كبيرة أن ينتهي بنا الأمر باكتساب نفس الرهاب، مثل شيء مقلق تتوارثه الأجيال.
فهذا أمر منطقي: إذا رأى الطفل أحد والديه، أو معلمه/مدرسه/قدوته/مقدم الرعاية الرئيسي له، بدأ في الصياح والرفرفة لأنه رأى فأراً، لابد أن يكون ذلك الموقف قوياً ومثيراً للقلق، موقفاً يترك أثره في ذلك العقل الصغير. استجابة المخ بالخوف تعني أن التخلص من الرهاب ليس أمرا سهلاً، معظم الروابط المتعلمة يمكن إزالتها في النهاية عن طريق عملية أسست في تجربة الكلب الشهيرة لبافلوف، في تلك التجربة تم ربط أحد الأجراس بالطعام، حيث يدفع صوت الجرس ظهور استجابة متعلمة (سیلان لعاب الكلب) عندما يسمع الكلب صوته، لكن إذا رن الجرس، بعد ذلك بشكل مستمر في غياب الطعام، تختفي تلك الرابطة بين الجرس والطعام في النهاية تلك العملية نفسها يمكنها أن تُستخدم في العديد من المواقف، وتعرف بالانقراض فيتعلم المخ أن المثيرات مثل الجرس لا ترتبط بأي شيء ولذلك لا تتطلب استجابة معينة.
من ستعتقد أن الرهاب يمكنه أن يخضع لعملية شبيهة من هذا، بمعرفة أن تقريبا كل مواجهة للشخص مع ما يسبب له الرهاب، لا ينتج عنها أي ضرر له بأي شكل، ولكن هنا يكمن الجزء الدقيق في الأمر: استجابة الخوف التي يثيرها الرهاب تبرر ذلك الرهاب، في تحفة المنطق الدائري (Circular Logic)، يقرر المخ أن شيئا ما يشكل خطراً عليه، وبناء على ذلك يطلق استجابة الكر أو الفر عندما يتعرض لذلك الشيء، ويسبب هذا كل الاستجابات الجسدية المعتادة، ويغمر أجهزتنا الجسدية بالأدرينالين، ويجعلنا مشدودين ومتوترين وما إلى ذلك.
استجابة الكر أو الفر مرهقة جسديا وتستنزف الطاقة وغالباً ما تكون تجربة غير سارة لمن يشعر بها، لذلك يتذكر المخ ذلك بـ «آخر مرة قابلت فيها ذلك الشيء، جن جنون جسدي، لقد كنت محقا: هذا الشيء حقا خطير!»، وهكذا يتم تعزيز ذلك الرهاب، لا يتقلص، بصرف النظر عن مدى ضآلة الضرر الذي أصاب ذلك الشخص حقاً. طبيعة الرهاب أيضا تلعب دوراً في ذلك، تحدثنا حتى هذه اللحظة عن الرهاب البسيط فقط (الرهاب الذي تثيره أشياء محددة، والذي يمكننا تحديد مصدره وتجنبه بسهولة)، لكن هناك أيضا أنواعا معقدة للرهاب (أنواع تثيرها أشياء أكثر تعقيدا مثل السياقات والمواقف).
الأجروفوبيا (Agoraphobia) هي أحد أنواع ذلك الرهاب المركب، والذي يساء فهمه بشكل عام على أنه الخوف من الأماكن المفتوحة بشكل أكثر دقة، الأجروفوبيا هي الخوف من المواقف التي يكون فيها الهرب مستحيلاً أو المواقف التي تغيب عنا فيها سبل المساعدة.
واقعياً، يمكن أن يكون ذلك في أي مكان خارج المنزل، ولذلك فإن يؤدي إلى فكرة «الخوف من الأماكن المفتوحة» الخاطئة، الأجروفوبيا الشديدة تمنع الأشخاص عن الخروج من منازلهم، مما الأجروفوبيا تتصل بشكل وثيق باضطراب الهلع (Panic Disorder).
نوبات الهلع يمكنها أن تصيب أي شخص، استجابة الخوف تغمرنا ولا نستطيع فعل أي شيء حيالها ونشعر بالضغط/الخوف الشديد/عدم القدرة على التنفس/الإعياء/الدوار الحصار تختلف الأعراض من شخص إلى آخر، وفي إحدى المقالات الممتعة لليندزي هومز وأليسا شيلير (Lindesy Homes and Alissa Scheller) في الهافنجتون بوست Huffington Post) لعام 2014 تحت عنوان «هذا هو ما تشعر به عندما تصيبك نوبة الهلع»، تم جمع بعض الشهادات الشخصية لأشخاص عانوا بالفعل نوبات الهلع، وكان وصف أحدهم: ((تجاربي مع نوبات الهلع كانت تصيبني بعدم القدرة على الوقوف على قدمي، أو التحدث. كل ما أشعر به هو ألم شديد جداً جميع أنحاء جسدي، كما لو أن شيئا ما يعصرني داخل كرة صغيرة، وإذا كانت نوبة الهلع قوية، حقا لا أستطيع التنفس وأتقيأ)) هناك العديد من الأشخاص الذين يختلفون كثيراً عن هذا لكن نفسه؛ في تجاربهم تكون بنفس السوء.
فالأمر كله يؤول إلى الشيء بعض الأوقات يتغاضى المخ عن كل الوسائط ويبدأ في تحريك استجابة يوجد أي سبب واضح الخوف في غياب أي سبب ملموس، وبما أنه لا فلا يوجد أي شيء حرفيا يمكننا أن نفعله حيال الموقف، وبالتالي الأمر يصبح الأمر «ساحقا» بسرعة، هذا هو اضطراب الهلع ينتهي الذعر والإزعاج في مواقف بالذين يعانون هذا الاضطراب بأن يصيبهم، ومن ثم يربطون بين هذه المواقف وبين الخوف والهلع، ومما يتملكهم الشعور بالهلع. تجاه تلك المواقف السبب المحدد وراء الإصابة باضطراب الهلع ليس معروفاً إلى الآن، لكن هناك عدداً من النظريات المقنعة، يمكن أن تكون نتيجة صدمة سابقة تعرض لها الفرد، حيث إن المخ لم يستطع التعامل بشكل فعال مع المشكلات الدائمة الناتجة عن تلك الصدمة إلى تلك اللحظة. وربما تكون بسبب زيادة مفرطة أو نقصان في إحدى الناقلات العصبية (Neurotransmitter) ويمكن أيضا أن يرجع الأمر لسبب جيني، حيث تزداد احتمالية أن يصاب أقارب الأشخاص الذين يعانون اضطراب الهلع بنفس الاضطراب.
هناك أيضا نظرية تقول إن الذين يعانون هذا الاضطراب معرضون أكثر للتفكير الكارثي (Catastrophic Thinking)؛ عندما يصنع الشخص من أي مشكلة أو تعب جسدي غير خطير بالمرة مشكلة وقلقا كبيرا أكثر بكثير مما يستدعي الموقف بأي شكل، ويمكن أن يكون الأمر مزيجا من كل هذه الأسباب معا، أو شيئا لم نكتشفه بعد. لا يتعثر المخ في إيجاد أسباب عندما يتعلق الأمر باستجابة خوف غير منطقية.
اضافةتعليق
التعليقات