هل تتفق معي _ أيها القاريء الكريم _ أن الوطنية الحقة وليست الزائفة، ليست دروسا ومفاهيم جامدة تُدرّس لطلابنا في مراحلهم الدراسية، وإنما هي شعور بالمسؤولية تجاه الوطن، الذي ولد فيه المرء ونمى عوده وطالت قامته، حتى استحال انسانا مكتمل البنية موفور القوى؟.
لقد أصبحت الوطنية اليوم في عراقنا الجديد، كباقي المسميات الأخرى وما أكثرها، عرضة للمزايدات والبيع والشراء، فلا أحد يشعر بانتماءه لهذا الوطن انتماءً حقيقيا، مع هذا الكم الهائل من المغتربين الذين يحصون عدد الأيام لبقائهم تحت سقف الوطن، بل إنهم على استعداد للمجازفة حتى بأرواحهم للخروج من خيمته، والسقوط في حضن الغربة ولو كان نائيا وفي جزيرة الواق واق!.
أقول هذه المقدمة لأننا أصبحنا ومع شديد الأسف مواطنون بلا هوية ولا انتماء لهذا الوطن.. فالوطن تعرض ولا يزال يتعرض إلى أقسى حالات التنكيل الممنهج من أهله ومن الغرباء على حد سواء، إنني أتساءل وفي الحلق شجى وفي العين قذى، ما بال شبابنا هجروا الديار وتغربوا؟! وما حال من ابتلعتهم المنافي والفيافي، وكيف استطاعوا العيش هناك بعيدا عن ترابه وهوائه؟! وكيف لهم أن يهجروا وطنا احتضنهم صغارا، وترعرعوا في كنفه كبارا؟!
الوطن - اخوتي اخواتي - ليس الحكومة.. الحكومة تأتي وتذهب.. تسقط وتُبدّل وقد تستقيل لتفسح الطريق لأخرى قادمة، إلا أن الوطن باقٍ... ضاربة جذوره في عمق الوجود، رغم كل الظروف والتحديات التي تعصف بكيانه.
وإذا قيل سابقا أن الدين لله والوطن للجميع.. فإننا قرأنا هذه العبارة بالمقلوب ويا ليتها كانت قراءة واعية وحقيقية، لكنها قراءة مشوّهة، ألقت بظلالها الثقيلة على أبناء هذا الشعب المظلوم، ولا زلنا ندفع فاتورة القراءة الخاطئة والباهضة الثمن، حيث انعدام الأمن وتردي الأحوال على كافة المستويات، ولعل أشدها تردي الوضع الأمني، والحديث عن عودة داعش يعود للسطح من جديد.
لم يفهم الوطنية حق فهمها إلا أولئك المرابطون على حدود الوطن.. وخلف السواتر.. وقوافل الشهداء الصاعدة إلى عليين، هي الترجمة الحقيقية والتجلي البهي للوطنية المنشودة..
( فالوطنية _ياولدي_ أن تقف مع وطنك كل الوقت.. وأن تقف مع حكومتك فقط عندما تكون على حق).
وأبشركم إلى الآن لم تأتِ الحكومة الحقيقية والعادلة التي تمثلني بحق... لأن سياسيينا وبكل صراحة أقول: هم عراة عن الوطنية والعزة والكرامة إلا القليل منهم.. فهل يصح بعد كل هذا أن نختزل الوطنية كدروس نجعلها بين دفتي كتاب، ليتلقاها ابناؤنا في المدارس كمادة ثقيلة على الحفظ ؟!
وأقولها بصراحة جارحة: ارفعوا مادة الوطنية من منهج ابنائنا... علّموهم حب الوطن وأنه جزء لا يتجزأ من الايمان.. علّموهم أن الوطن خيمة يستظل تحتها كل أبنائه، وأن كل الفرص متكافئة أمامهم بلا استثناء، علموهم أن الوطن هو من يعطي وبسخاء، فلا شيء يزرع الوطنية في نفوسهم البريئة إلا الوطن نفسه.
وسيبقى الأمل يراودنا جميعا، بأن يعود الوطن للجميع.. وأنّ الطيور التي هاجرت بعيدا ستعود إلى اعشاشها يوما ما.
اضافةتعليق
التعليقات