قال الله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) يمرّ الانسان في حياته بالكثير من التجارب، والخبرات المُتنوِّعة، فيتحتَّم عليه خَوضُ بعض التجارب القاسية وغير المرغوب فيها، والتي قد تتَّسم بالتحدّي، والقسوة، والصعوبة؛ ممّا يعني زعزعة التوازُن، والاستقرار النفسيّ، والجسميّ للفرد؛ وبالتالي التسبُّب له بالكثير من الاضطّرابات النفسيّة؛ نتيجة تعرُّضه للضغوط بشكل مُستمِرٍّ، أو مُبالَغٍ فيه؛ ممّا يُؤدّي إلى إمكانيّة وقوع الفرد تحت تأثير الإنهاك، والإرهاق، والإجهاد، والحالات الانفعاليّة المُبالَغ فيها؛ لذا فإنَّ تعلُّم أساليب، وطُرق، واستراتيجيّات مُواجَهة الضغوط النفسيّة، هي من الأمور التي لَقِيَت اهتماماً كبيراً في الوقت الحالي من قبل أخصّائيّي الصحّة النفسيّة، والمُهتمِّين بها.
ومن الممكن تعريف الضغوط النفسية على أنها مزيج من ثلاثة عوامل مهمة؛ وهي البيئة الخارجيّة التي يعيش فيها الفرد، والمشاعر والأحاسيس السلبيّة التي تسيطر على الفرد، بالإضافة إلى مجموعة الاستجابات الجسميّة الفسيولوجيّة الصادرة عنه، لتظهر بذلك الضغوط النفسيّة عند تفاعل هذه العوامل مع بعضها بطرق خاصة، لتُنتج بدورها حالات القلق والاكتئاب والتوتر التي تسيطر على ذات الفرد ونفسيّته.
الأنواع الرئيسية للضغط النفسي
الضغط النفسي "التوتر" الحاد
يُعرف الضغط النفسي الحاد أيضًا باستجابة القتال أو الفرار، وهو رد الفعل الفوري لجسمك تجاه مخاوف أو تحديات أو ذعر محسوس. تكون استجابة الضغط النفسي الحاد شديدة ولحظية، ويمكن أن تكون هائجة في ظروف معينة. تشمل أمثلة عوامل الضغط الحاد إجراء مقابلة عمل أو الحصول على مخالفة سرعة أثناء القيادة. لا تسبب نوبة واحدة من الضغط النفسي الحاد مشكلات للأشخاص الأصحاء عادة. على أي حال، فإن الضغط النفسي الحاد يمكن أن يسبب مشكلات بالصحة العقلية، مثل اضطراب الكرب التالي للصدمة.
يمكن لذلك أن يؤدي أيضًا إلى صعوبات بدنية مثل الصداع التوتري أو مشكلات المعدة أو مشكلات صحية خطيرة، مثل النوبة القلبية.
الضغط النفسي المزمن
يمكن أن يكون الضغط النفسي الحاد البسيط مفيدًا حيث يمكنه أن يحفزك للقيام بفعل ما ويشجعك ويجعلك تشعر بالنشاط. ولكن تحدث المشكلة عندما تتراكم عوامل الضغط وتظل موجودة في الأجواء المحيطة. يمكن أن يؤدي هذا الضغط النفسي المتواصل إلى مشكلات صحية، مثل الصداع والأرق. تكون الاستجابة للضغط النفسي المزمن أكثر وضوحًا من الاستجابة للضغط النفسي الحاد، ولكن قد تستمر مؤثراتها لفترة أطول وتكون مسببة للمشكلات بشكل أكبر.
يتضمن التعامل الفعَّال مع الضغوط التعرف على كل من الضغط النفسي الحاد والمزمن وإدارتهما.
أعراض الضغط النفسي
هناك أعراض عديدة تنتج عن الضغط النفسي الذي يتعرض له الإنسان، وتنقسم إلى 3 فئات (جسدية – نفسية – سلوكية):
- الأعراض الجسدية: الشعور بالتعب والإرهاق الشديدين، الشعور بآلام في الصدر، والصداع المستمر.
- الأعراض النفسية: اضطرابات في النوم، الشعور بالقلق والتوتر المستمريْن، انخفاض معدل التركيز، والشعور المستمر بالغضب والحزن والكآبة.
- الأعراض السلوكية: تتمثل في فقدان الشهية، أو الإقبال على تناول الطعام بشراهة، وذلك بحسب تأثير الضغط النفسي عليه، وأحياناً يصل الشخص إلى التدخين والإدمان.
استراتيجيات التخفيف من الضغوط النفسية:
التخفيف يعني اختزال الضغوط إلى أدنى حد ممكن، إذ إنه لا يمكن التخلص من الضغوط لأن ذلك يعني أن يتوقف الإنسان عن أداء رسالته في الحياة. ومن استراتيجيات التخفيف من الضغوط ما يلي :
-1 استراتيجيات المواجهة الفسيولوجية : Physiological Coping Strategies
تستخدم هذه الأساليب للسيطرة على ردود الأفعال الفسيولوجية للضغوط. حيث يساعد التحكم في ردود الأفعال الفسيولوجية في المواقف الضاغطة على الوقاية من الأمراض الجسمية الناتجة عن هذه المواقف. ولذلك طورت العديد من الفنيات التي تمكن الفرد من التحكم في ردود الأفعال الفسيولوجية في المواقف الضاغطة ومن أمثلة تلك الفنيات:
أ - تدريبات الاسترخاء : Relaxation Training
يعتبر الاسترخاء من أكثر الطرق استخدامًا في السيطرة على التوتر الناتج عن الضغوط النفسية، فالاسترخاء هو مجموعة من التقنيات صممت للتأثير على الخبرة الفسيولوجية Physiological Experience للتوتر، وذلك بهدف تخفيف حدة ردود الأفعال الفسيولوجية في المواقف الضاغطة، إذ تعمل هذه التقنيات على خفض معدل ضربات القلب، خفض التقلصات العضلية، خفض ضغط الدم، تخفيف القلق والتوتر.
وقد ابتكر الطبيب والأخصائي النفسي إدموند جاكوبسون Edmund Jacabson في عام 1920 أسلوب الاسترخاء التدريجي Progressive Relaxation كأسلوب لخفض التوتر لدى الأفراد. وفي هذا الأسلوب يتعلم الأفراد أن يقوموا بشد مجموعة من عضلاتهم، ثم يقوموا بإرخائها مرة أخرى.
ويضاف إلى هذه التمارين التي وجدت في الغرب تمارين من الشرق الأقصى مثل اليوجا التي تمارس منذ وقت طويل وتؤدي إلى تلطيف إيقاع نبضات القلب وحركة التنفس مسببة بشعور عميق بالاسترخاء لا يبلغ حد النعاس أو النوم.
ب - التأمل : Meditation
يستخدم بعض الناس التأمل كطريقة لمواجهة المواقف المسببة للضغوط النفسية. فالتأمل هو تمرين عقلي يؤثر على عمليات الجسم الفسيولوجية، ويكسب الفرد القدرة على التركيز. ويمارس التأمل في جو هادئ بعيداً عن أي تهيج حسي ويصحبه تنفس بطيء يسهم في إزالة الكثير من أعراض التوتر. وهذا الأسلوب يؤدي إلى خفض معدل النشاط الكيميائي في الجسم، وتحسين معدل ضربات القلب وحركة التنفس، وخفض ضغط الدم.
توجد أربعة شروط لا بد من توافرها لكي تتم عملية التأمل بنجاح وهي:
1 - توفر بيئة هادئة.
2 - أن يقوم الفرد بغلق عينيه.
3 - أن يكون الفرد في وضع مريح.
4 - إعمال العقل بشكل متكرر.
جـ- التغذية الراجعة البيولوجية : Biofeedback
تعتبر التغذية الراجعة البيولوجية من الطرق المستخدمة في خفض التوتر العضلي أو تخفيف حدة الأعراض الفسيولوجية الأخرى المصاحبة للضغوط. إذ تساعد هذه الطريقة الأفراد على تعديل الأنشطة الفسيولوجية للجسم من خلال تغذية راجعة سمعية أو بصرية Auditory or Visual Feedback.
وتستخدم في هذه الطريقة أداة الكترونية تقوم بتسجيل النشاط الفسيولوجي للجسم في المواقف الضاغطة مثل معدل ضربات القلب، ضغط الدم في شكل إشارات معينة كإصدار ضوء، رنين، تغيرات في نغمة الصوت، أو في شكل معلومات على شاشة أمام الفرد. وهكذا، تزود التغذية الراجعة البيولوجية الأفراد بمعلومات عن العمليات الداخلية في أجسامهم تساعدهم على التحكم في تلك العمليات الداخلية، ويمكن أن تكون ذات تأثير فعّال في العمل على خفض التأثيرات المختلفة للمواقف الضاغطة.
د - التمرينات الرياضية : Exercises
من الملاحظ أن التدريبات الرياضية كالجري لعدة أميال أو ممارسة رياضة التنس تستطيع أن تخفف من ردود أفعال الضغط النفسي. فالتمرينات الرياضية تصرف عنا مصادر الضغوط وتستطيع التقليل من الآثار الناتجة عن الضغط النفسي، إذ تعمل على خفض ضغط الدم وتحسين الدورة الدموية وتقوية عضلة القلب. ومن المعروف أن كثيرًا من الوظائف البدنية كوظائف القلب والرئة والدورة الدموية، وهي الوظائف المرتبطة أيضًا بالحالة المزاجية، تتحسن بالممارسة الرياضية المنظمة. فنجد أنفسنا أكثر قدرة على التنفس الجيد والحيوية. مما يقلل بدوره من التعرض للقلق والاكتئاب. كما أن التمرينات الرياضية تكسب الأفراد إحساسًا بالتحكم في أجسامهم، وشعورًا بالإنجاز، كما أنها تساعدهم على النوم الهادئ ليلاً.
كذلك ممارسة الرياضة ربما كانت مفيدة لأنها تساعد الفرد على استهلاك الطاقة المتولدة والمتراكمة عن الضغط النفسي وكبح جماحها. ويفضل أن تكون الممارسة الرياضية متصلة بمعنى أن يتراوح وقت التمرين الواحد من 15- 30 دقيقة متصلة وليست متقطعة، أي ألاّ تكون مثلاً 10 دقائق صباحاً و5 دقائق مساء. وتشير بحوث علماء النفس الصحي إلى أن أفضل أنواع الرياضة تلك التي تساعد على التنفس الهادئ والعميق والمنتظم، كالجري والمشي والسباحة والتدريبات السويدية الخفيفة.
-2 استراتيجيات المواجهة المعرفية : Cognitive Coping Strategies
تركز وجهة النظر المعرفية على أهمية الجانب المعرفي والعقلي في تحديد استجابة الضغوط أكثر من اهتمامها بالبيئة ومثيراتها المختلفة.
وترى أيضًا أنه يمكن التقليل من حدة الضغط الذي يعانيه الفرد، إذا استطعنا تغيير طريقة تفكيره بشأن المواقف المسببة للضغط، وبالتالي تغيير استجابته لهذا الموقف.
إن أساليب المواجهة المعرفية تساعد الفرد في تكوين استجابات توافقية جديدة بدلاً من الأفكار التي تتسم بالإحباط وعدم الثقة بالنفس.
يتضمن أسلوب المواجهة العقلي للموقف الضاغط ثلاثة أطوار:
أ - الطور التعليمي : Educational Phase
وفي هذه المرحلة يجب أن يكون لدى الفرد خلفية عن مسببات الضغوط النفسية في بيئته وتأثيرات الضغوط. بحيث يتمكن الفرد من تحديد المواقف الضاغطة في بيئته لكي يستطيع فهم ردود أفعاله تجاه تلك المواقف.
ب - طور اكتساب المهارات : Skill - Acquistion Phase
وفي هذه المرحلة يحدث ما يسمى بإعادة البناء العقلي Rational Restructuring حيث يتم تنمية بعض المهارات العقلية التي تساعد الفرد على محاولة التحكم في ردود أفعاله تجاه المواقف الضاغطة مثل التعرف على الانفعالات غير المرغوبة، وكذلك التعرف على الأفكار والمعتقدات اللاعقلانية ومحاولة تغييرها.
إن توظيف المهارات العقلية التي يكتسبها الفرد في هذه المرحلة تساعده في التغلب على مشاعر خيبة الأمل، وفي تعزيز محاولاته الناجحة في مواجهة المواقف الضاغطة.
جـ- طور التطبيق
وفي هذه المرحلة يستخدم الفرد المهارات والاتجاهات التي قد اكتسبها في المرحلتين السابقتين بطريقة جديدة، كما أنه يحاول أن يختبر مهاراته الجديدة في مواجهة المواقف الضاغطة، كما أنه ليس من الضروري أن يظهر الفرد تفوقًا في مهاراته التي اكتسبها ولكن فقط يحتاج إلى أن يستخدم مهارات جديدة لكي تساعده في تكوين الاتجاهات المعرفية والانفعالية والسلوكية تجاه الانفعالات الناشئة عن المواقف الضاغطة مما يتيح له القدرة على تعديل استجاباته إذا لزم.
-3 استراتيجيات المواجهة السلوكية
ولئن كانت مواجهة المواقف الضاغطة تحتاج إلى تغيير أفكار الفرد بشأن المواقف المسببة للضغوط، فإنها تحتاج أيضًا إلى تغيير سلوك الفرد ومن هذه الأساليب:
إدارة الوقت: تعتبر إدارة الوقت من المهارات المستخدمة في مواجهة الضغوط الناتجة عن أحداث الحياة المختلفة وأعباء العمل الزائدة. إن برامج إدارة الوقت تساعد الأفراد على تحديد الأهداف وترتيب الأولويات، وتجنبهم إضاعة الوقت، إضافة إلى كونها تنبه الأفراد إلى حدود إمكانياتهم بحيث لا يلتزمون بأي عمل لا يستطيعون القيام به.
4- الدعم الاجتماعي
يعتبر الدعم الاجتماعي من الوسائل الفعالة التي تستخدم في مواجهة الضغوط، إذ يقلل ما يعانيه الفرد من الضغط النفسي ويقلل من احتمالية الإصابة بالأمراض الناتجة عن المواقف الضاغطة، فالدعم الاجتماعي يقلل من الأعراض الاكتئابية الناجمة عن المواقف الضاغطة وبالتالي فإن الدعم الاجتماعي لا يقلل فقط الشعور بالضغط النفسي، بل يزيد من قدرة الأفراد على مواجهة المواقف الضاغطة.
اضافةتعليق
التعليقات