يُعتبر المعلم في كل الأزمنة والأمكنة محور العملية التعليمية ومركزها الرئيس، إذا أن جميع العوامل المساندة له كالمنهج والطلبة والكتاب وغيرها لاتسطيع التأثير أو تطوير مسيرة التعليم دون أن تمر بالمعلم.
وقد تعددت الكتابات حول هذا الموضوع واختلفت الآراء حول نمطية أدواره عبر مراحل الزمن، ومن هنا فإن هذا المقال البسيط يحاول تلخيص دور المعلم عبر الزمن وماشهده من تغيرات هنا وهناك، موضحاً ماله وماعليه داخل المجتمع ضمن إطاره التربوي.
أ- المعلم في ماضي الأمس:
بالأمس وفي قديم الزمان كان المعلم نموذجاً يُحتذىبه في كل شيء، له من الهيبة والمكانة العلمية والاجتماعية ماجعله ذات شأن عظيم في المجتمع، يضاهي مكانته مكانة الأنبياء والرسل في تبليغ دعواهم ورسالاتهم للناس.
ولعل ذلك يتجلى في قول الرسول (ص):( العلماء ورثة الأنبياء) .
وكفى به أيضاً مدح الشاعر له فيقصيدته المشهورة :
قم للمعلم وفّ التبجيلا كاد المعلمُ أن يكون رسولا
أرأيت أعز أو أجل من الذي يُبني وينشء أنفساً وعقولا
سبحانك اللهم خيرُ معلم علّمت بالقلم القرون الأولى
إن ما جعل للمعلم تلك المكانة بين المجتمع هو تأثيره المباشر وغير المباشر في جميع مجالات الحياة وأنشطتها المختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر قول عمر بن عقبة حيث يقول لمعلم ولده ) ليكن اول إصلاحك لولدي إصلاحاً لنفسك، فإن عيونهم معقودة بك، فالحسن عندهم ماصنعت والقبيح عندهم ماتركت، ...... وكن لهم كالطبيب الذي يعالج بالداء حتى يعرف الدواء).
وهذا الأمر يؤكده قول الإمام علي (ع): (من نصّب نفسه إماماً فليبدأ بتعليم نفسه وتأديبها، فمعلم النفس وتأديبها خيرُ من معلم الناس وتأديبهم ).
بالفعل لقد كان المعلم في ذاك الزمان معلماً مطبوعاً لا مصنوعاً بمعنى : أن رسالة العلم والتدريس جاءت ضمن أطباعه وسلوكه اليومي التي جُبل عليها وأراده الله تعالى بها ليحقق خلافته في الأرض عليها، وبالتالي أصبحت هذه المهنة جزءا لايتجزء من حياته يقدسها ويؤمن يقيناً بأنها رسالة إنسانية عظيمة يبتغي من وراءها الفوز في الدارين وليس مركز وظيفي فقط مصداقاً لقول الرسول (ص)(اذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علمٌ ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ).
ب- المعلم في حاضر اليوم :
هو ذاك من بتنا نفقده اليوم، فالمعلم اليوم يقف عند مفترق الطريق نظراً لما طُرأ عليه من تغيرات كبيرة وخطيرة، حتى باتت شخصيته قاب قوسين أو أدنى أن تتلاشى في زمن الألفية والتطور العولمي السريع في كافة مجالات الحياة وأصعدتها، فلقد تعددت الأسباب هنا وهناك حول اهتزاز شخصية المعلم ومكانته سواء في المجتمع أو في العملية التعليمية بعد أن كنا نبجله ونحني له الرأس في ماضي الأمس، ومن هذه الأسباب منها على سبيل المثال لا الحصر: وسائل الإعلام المختلفة كالكمبيوتر والإنترنت والصحف والمجلات وغيرها .
فلقد أصبحت تلك الوسائل تحدد رؤية الطالب للمعلم والعكس صحيح وهذا الأمر نراه واضحاً بصورة كبيرة في انتشار الفضائيات اليوم، ولعل نموذج مسرحية (مدرسة المشاغبين) مثالاً حي لذلك، فقد ذيع صيتها في العالم العربي وأثرت تأثير سلبي على مسيرة التعليم العربي قل أن يكون لها مثيل، إذ مسخت شخصية المعلم خاصةً – الرجل- حيث جعلته شخصية كاريكاتورية مثاراً للسخرية والإستهئزاء من الجميع، ولاتختلف الصورة منها بأي شكل من الأشكال في الأفلام والمسلسلات العربية، إذ مازالت هذه الرؤية الإعلامية تؤثر سلباً على مكانة المعلم الاجتماعية في المدرسة وخارجها .
لذلك فإن إشكالية التعليم والإعلام تعتبر إحدى التحديات التي يواجهها المجتمع العربي على اختلافه . ومالم يتم حل هذه الإشكالية بين الطرفين فإن الهوة ستسع وتزداد مماتنذر بحالة من الإنفصام بين ما يتلقاه وسائل الإعلام وما يتم تعليمه في المؤسسات التعليمية المختلفة وفي مقدمتها المدرسة . وهذا الأمر يبن لنا قول الشاعر:
متى يكتمل البنيان تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
ج- المعلم في مستقبل الغد :
تلك المسألة التي ألقينا عليها الضوء لمعلم الحاضر تجعلنا نقف بأسى شديد لمايحدث له من تغيرات هنا وهناك، الأمر الذي يجلنا نضع أيدينا على المرض التعليمي كيلا يستفحل في مختلف نواحي العملية التعليمية وذلك من خلال اقتراحات ومعالجات لمعلم المستقبل في الغد المأمول، علنا في هذا السبيل نعيد للمعلم جزء ولو بسيط من حقه الذي ضاع في الماضي وبات يفقده في الحاضر، ويكاد تلاشيه في المستقبل، ونصلح بقايا مالم يُفسده الدهر فيه .
ومن أهم هذه المقترحات :
1- حسن إعداد المعلمين :
إن أهم أسباب اهتزاز صورة المعلم اليوم وتراجع مكانته وهيبته هي كثرة أعداد الخرجين من الجنسين من الجامعة غير المؤهلين علمياً ولاتربوياً للعمل في هذه المهنة وتجسيد حقيقي لرسالتها السامية حتى قيل (أن مهنة التدريس أصبحت مهنة من لامهنة له) .
لهذا فإن المسؤولية الكبيرة اليوم تقع على عاتق الجامعة متمثلةً في كلية التربية، وذلك عن طريق مراجعة طرق اختيارها للطلبة وبرامجها التربوية المختلفة، من خلال تحديد امتحانات ومقابلات تحديد المستوى ليس العلمي فقط وإنما جميع المستويات الأخرى كالنفسية مثلاً وغيرها . بحيث تستطيع تأهيل خريجيها بمستوى يحفظ لهم مكانتهم العلمية داخل المجتمع وخارجه .
وأن تضع في حسبانها الكيف على حساب الكم بمعنى: جودة الطلبة الملتحقين بمستوياتهم بغض النظر عن كثرة أعدادهم .
2- تحسين الأوضاع الوظيفية للمعلم :
لقد تردت أوضاع المعلم في الآونة الأخير ة بصورة سيئة للغاية، مما أثر بشكل كبير على عطائه وإنتاجيته داخل المدرسة وخارجها، فهو قبل أن يكون صاحب رسالة هو صاحب حاجة .
ولعل هذه المسئولية تقع بالدرجة الأولى على وزارة التربية والتعليم بالمملكة حيث يجب عليها أن تعتني بحاجات المعلمين ومتطلباتهم المعيشية والنفسية والاجتماعية والعلمية من حين لآخر، سواء عن طريق الترقيات الوظيفية أو الحوافز أو المكآفات المادية والمعنوية أو غيرها من المور المهمة في هذا الشأن .
،،،،، وبعد،،،،،،،،
فإنه مهما تغيرت صورة المعلم اليوم كماً وكيفاً عبر أطوار الزمن المتغير، إلا أن المعلم يظل يمثّل سلاح ذو حدين لكل متغيرات الحياة ومجالاتها . وبالتالي فإن دوره ومكانته ليسا بالأمر الهين الذي نتنازل عنه ونستهين به، خاصةً ونحن في القرن الحادي والعشرين العصر الذي يتسم بتعزيز مكانة الإنسان وفق دوره ورسالته في الحياة. والمعلم في مقدمتها : فإذا نحن أفقدناه هذه المكانة فإننا لا نستطيع تعزيز دور الإنسان في المواقع الأخرى . فهل نحنُ فاعلون ؟؟!!
أختم موضوعي هذا فأقول :
سُئل أحد القادة العسكرين إثر إنتصار حققه كيف تغلبتم على جارتكم وجيشها يفوق ما عندكم عدة وعددا ؟ فأجاب : ( غلبنا جارتنا بمعلم المدرسة ).
فهلا وجهنا تربيتنا، عاملين بوحي من تلك الإجابة، لننقذها من أزمتها، وأمتها من محنتها، ونُجيب على من يسألنا السؤال نفسه بالقول : ( غلبنا عدوتنا بمعلم المدرسة).
اضافةتعليق
التعليقات