تعتبر الموارد البشرية حجر الزاوية في أي تقدمٍ إقتصادي، وقد تناولنا حتى الآن الجانب النوعي من الموارد البشري، وبقي أن نقف وقفة تأمل للجانب الكمي نتسائل عن مدى مساهمة الموارد البشرية الكمية في عملية الإنتاج والتطور الإقتصادي.
لا يخفى بأن هناك نوعان من البيئات الإجتماعية التي يتولد فيها المجتمع، فهناك بيئات متخلفة وهناك بيئات متحضرة، ففي البيئة المتخلفة يصبح كل شيء مدعاة إلى التأخر حتى عوامل التقدم تتحول على أيدي أناس متخلفين إلى عوامل هدم وتأخر.
لننظر إلى الثروة المعدنية التي حباها الله لبعض الشعوب المتخلفة في مجاهيل أفريقيا كيف تحولت هذه النعمة إلى نقمة على أيادي البشر، فعندما لا يستطيع شعبٌ من الشعوب إستثمار هذا المعدن سيكون سبباً لتدفق المستعمرين والمستغلين وأرباب الجشع والإحتكار من الكارتيلات والمؤسسات. وبطبيعة الحال يصبح الكم السكاني في مثل هذه المجتمعات عامل إنحطاط وتأخر كما أي أمرٍ آخر، لكن في البيئات المتحضرة المزدحمة بالنشاط والإنتاج يصبح عامل المكان عاملاً إيجابياً ومثمراً. وأمامنا شاهدٌ من واقع منطقتنا الإسلامية، يقولُ "دورين وورند" في كتابه الأرض والفقر في الشرق الأوسط: "وقد توسعت الزراعة في الأعوام الأخيرة توسعاً سريعاً نتيجة إزدياد سكان البلاد".
وفي مراحل التحرك والنهوض يصبح عدد السكان عاملاً إيجابياً في توسيع نطاق النشاط الإقتصادي لأنه يعطي بيد المخطط الإقتصادي أيادي عاملة إضافية يستثمرها في المجالات الإقتصادية المعطلة، وقد قامت دعوة الإسلام على زيادة النسل من خلال بعض النصوص الواردة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم منها: "تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم".
ويبدو أنّ هذه الدعوة كانت مرحلية، وليس قانوناً في كل زمان ومكان، حيث كان الإسلام في بداية تأسيسه يشهد نهوضاً كبيراً، فكان للكم السكاني أثرٌ إيجابي في تقدم المجتمع الإسلامي، لكن هذا لا يعني أن يظل المسلمون على هذا الخط التصاعدي في تكثير الأولاد بدليل أننا لا نجد في كلمات أمير المؤمنين عليه السلام ما يُشير إلى الإكثار من النسل، بل بالعكس نجد ذماً في بعض النصوص للكثرة الضالة، يقول أمير المؤمنين عليه السلام وأمّا بنو عبد شمس... وهم أكثر وأمكر وأنكر.
وفي نصوص أخرى نجد أنّ الإمام يعمل على تغيير وجهة نظر الناس نحو كثرة الأولاد، ففي النص التالي نكتشف قوانين مهمة في الحياة بما فيها الناحية الإقتصادية، يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ليس الخير أن يكثر مالك وولدكَ، ولكن الخير أن يكثر علمك، وأن يَعظُم حِلمكَ وأن تُباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حَمِدْت الله، وإن أسأت استغفرت الله، ولا خيرَ في الدنيا إلّا لرجلين؛ رجلٌ يُسارع في الخيرات.
نستجلي من هذا النص الرؤى التالية:
في مرحلة التخلف لا فائدة من المال والولد، لأنهما سيكونان وبالاً على الإنسان.
العلم هو السبيل للإنقلاب على الواقع المتخلف.
لابُدّ من إقتران العلم بالأخلاق الحميدة.
لا بُدّ أن تقوى روابط المؤمن بالله تبارك وتعالى.
حينما تصبح البيئة صالحة يتولد من رحمها الإنسان الذي وصفهُ الإمام؛ بأنّه يُسارع في الخيرات.
فلا بُدّ إذن من تغيير الواقع ليتغير كل شيء، فالواقع المريض مثلهُ مثل الإنسان المصاب بالحمى، فلا يُفرِّق بين العسل والعلقم فكلاهما مُرّان في فمه.
إن مشكلة السكان ليست مشكلة العدد فقديماً كان الأب يرجو الحصول على أولاد يساعدونه في الإنتاج. بل المشكلة في كيفية إستثمار من يأتي إلى الحياة، فقبل أن نفكِّر باللقمة التي تملأ بطنه لنفكر في كيفية إستثمار هذا الإنسان حتى لا يتحول إلى طاقة معطلة، فيصبح عاملاً من عوامل التأخر.
اضافةتعليق
التعليقات