إن القضاء على الفقر بجميع أشكاله هو من أولويات الأهداف السبعة عشر لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، الهدف الرئيس لأهداف التنمية المستدامة في سبيل محاربة الفقر هو القضاء على الفقر بجميع أشكاله: "كفالة حشد موارد كبيرة من مصادر متنوعة، بما في ذلك عن طريق التعاون الإنمائي المعزّز، من أجل تزويد البلدان النامية، ولا سيما أقل البلدان نموا."
تهدف أهداف التنمية المستدامة أيضاً إلى إنشاء أطر سياسية سليمة على المستويين الوطني والإقليمي، وتستند على استراتيجيات إنمائية لضمان تمتّع جميع الرجال والنساء، ولا سيما الفقراء والضعفاء منهم، بنفس الحقوق في الحصول على الموارد الاقتصادية، وكذلك حصولهم على الخدمات الأساسية وعلى حق ملكية الأراضي والتصرّف بها وغيرها من الحقوق المتعلّقة بأشكال الملكية والميراث والحصول على الموارد الطبيعية والوصول للتكنولوجيا الجديدة الملائمة والخدمات المالية، بما في ذلك تمويل المشاريع الصغيرة، بحلول عام 2030.
قياس الفقر
تشير الدراسات الى إحراز تقدم ملموس في الحد من مستوى الفقر على مدى العقود الماضية.
ووفقًا لتقديرات عام 2015، كان 10 في المائة من سكان العالم يعيشون على أقل من 1.90 دولارًا أمريكيًا في اليوم. وهذه النسبة أقل بمقدار 16 في المائة من احصائيات عام 2010 وأقل بـ36 في المائة عما كانت عليه في عام 1990. مما يدل على أن القضاء على الفقر المدقع في متناول أيدينا. وقد وضع البنك الدولي هدفاً جديداً في نيسان/أبريل 2013، لإنهاء الفقر المدقع خلال عقد واحد، لخفض هذه النسبة لأقل من 3 في المائة من سكان العالم ممن يعيشون على 1.90 دولار فقط في اليوم بحلول عام 2030. ومن خلال قياس مستويات الفقر، نتعرف على الاستراتيجيات التي تحد أو لا تحد منه بهدف مساعدة البلدان النامية على قياس فعالية البرامج التنموية وتوجيه استراتيجيتها الإنمائية في بيئة اقتصادية سريعة التغيير.
حقائق وأرقام عن الفقر
- وفقًا لأحدث التقديرات، في عام 2015، عاش 10٪ من سكان العالم أو 734 مليون شخص على أقل من 1.90 دولارًا أمريكيًا في اليوم.
- ومن المتوقع أن يشهد جنوب آسيا وأفريقيا وجنوب الصحراء أكبر زيادة في معدلات الفقر المدقع، حيث يعيش 32 مليون و 26 مليون شخص على التوالي تحت خط الفقر الدولي نتيجة لهذا الوباء.
- انخفضت نسبة العمال الذين يعيشون في فقر مدقع في العالم بمقدار النصف خلال العقد الماضي: من 14.3 في المائة في عام 2010 إلى 7.1 في المائة في عام 2019.
- حتى قبل جائحة كوفيد-19، أشارت التوقعات الأساسية إلى أن 6 في المائة من سكان العالم سيظلون يعيشون في فقر مدقع في عام 2030، دون تحقيق هدف القضاء على الفقر. وتهدد تداعيات الوباء بدفع أكثر من 70 مليون شخص إلى هوة الفقر المدقع.
- يعيش واحد من كل خمسة أطفال في فقر مدقع، ويوجد تداعيات للآثار السلبية للفقر والحرمان في السنوات الأولى يمكن أن تستمر مدى الحياة.
- في عام 2016، لم يستفد 55 في المائة من سكان العالم - حوالي 4 مليارات شخص - من أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية.
عمل عالمي شامل
تتعهد أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 بعدم ترك أحد يتخلف وراء الركب والوصول إلى الجميع. لكن تحقيق هذا البرنامج الإنمائي الطموح يتطلب سياسات ذات رؤية لنمو اقتصادي مستدام وشامل ومنصف، يدعمه الاستيعاب الكامل في مجال التوظيف وإيجاد العمل اللائق للجميع والرعاية الاجتماعية وتراجع عدم المساواة وزيادة الإنتاجية والحفاظ على البيئة. وفي جدول أعمال عام 2030، يحدد الهدف أن القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان كأكبر تحد عالمي يواجهنا اليوم ومطلب لا غنى عنه لتحقيق التنمية المستدامة.
ورغم أن التقدم في القضاء على الفقر المدقع كان تدريجياً وعلى نطاق واسع، يستمر وجود الفقر المدقع الذي يمثل شاغلاً رئيسياً في أفريقيا وأقل البلدان نمواً والدول الجزرية الصغيرة النامية وبعض البلدان المتوسطة الدخل والبلدان التي تشهد صراعات أو تتعافى مما بعد النزاع. وفي ضوء هذه الشواغل، قررت الجمعية العامة، في دورتها الثانية والسبعين، تبني "عقد الأمم المتحدة الثالث للقضاء على الفقر (2018-2027)". الهدف من العقد الثالث هو الحفاظ على الزخم المتولد عن تنفيذ عقد الأمم المتحدة الثاني للقضاء على الفقر (2008-2017) من أجل القضاء على الفقر. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يدعم العقد الثالث، بطريقة فعالة ومنسقة، الأهداف الإنمائية المتفق عليها دوليًا المتعلقة بالقضاء على الفقر، بما في ذلك أهداف التنمية المستدامة.
اليوم الدولي للقضاء على الفقر
من خلال القرار 47/196 المؤرخ 22 كانون الثاني/يناير 1992، أعلنت الجمعية العامة السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر اليوم الدولي للقضاء على الفقر.
ويرجع تاريخ الاحتفال باليوم الدولي للقضاء على الفقر إلى يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر من عام 1987. ففي ذلك اليوم اجتمع ما يزيد على مائة ألف شخص تكريمًا لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع، وذلك في ساحة تروكاديرو بباريس، التي وقِّع بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. وقد أعلنوا أن الفقر يُشكل انتهاكا لحقوق الإنسان وأكدوا الحاجة إلى التضافر بغية كفالة احترام تلك الحقوق. وقد نُقشت تلك الآراء على النصب التذكاري الذي رُفع عنه الستار ذلك اليوم. ومنذئذ، يتجمع كل عام في السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر أفراد من شتى المشارب والمعتقدات والأصول الاجتماعية لإعلان التزامهم من جديد إزاء الفقراء والإعراب عن تضامنهم معهم.
أسباب الفقر
أسباب مُتعلّقة بالفرد والمجتمع منها عدم توفُّر الماء والغذاء الكافيين:
يُعاني أكثر من 800 مليون شخص حول العالم من الجوع، كما يعاني أكثر من ملياريّ شخص من عدم توفر المياه الصالحة للشرب داخل منازلهم، مما يجعل انتشار الجوع وانعدام الأمن المائي أحد الأسباب الرئيسية لانتشار الفقر، حيث إنّ عدم حصول الإنسان على غذاء كافٍ يعني عدم امتلاكه للطاقة اللازمة للقيام بمتطلبات العمل.
[1] الحروب والكوارث يُعدّ هروب الكثير من الأسر من أوطانها بسبب الأوضاع السياسيّة غير الآمنة وما يخلفه أفرادها وراءهم من منازل ووظائف سبباً في انتشار الفقر بشكل كبير، لا سيما بين فئة المشردين.
[2] ضعف التعليم يُعدّ انخفاض مستوى التعليم أحد أسباب انتشار الفقر، فيما لا يعني ذلك معاناة جميع الأشخاص غير المتعلمين من الفقر، إلّا أنّ ضعف التعليم يعدُّ عاملاً ذا دور كبير في الوصول إلى حالة الفقر.
[3] الزراعة التقليدية توجهت البلدان المتقدمة نحو تطوير الزراعة من خلال إنشاء قطاع زراعي أصغر ذي كفاءة أعلى، مما ترتب عليه انتقال الكثير من العمال الريفيين والحضريين للعمل في القطاع الصناعي نتيجة لتضييق نطاق هذا القطاع.
[4] تدنّي الأجور يُعتبر انعدام الدخل أو انخفاضهُ أحدّ العوامل المتسببة بالفقر، فيعزى انخفاض الدخل لانخفاض الحدّ الأدنى للأجور، أو لاضطرار الفرد للعمل في أعمال ذات أجور منخفضة.
[5] تغيُّر المناخ يُوكدّ البنك الدولي أنّ تغيُّر المناخ يمكنه تحويل حياة 100 مليون شخص إلى حالة من الفقر الشديد خلال العشر سنوات القادمة، حيثُ إنّ الكوارث الطبيعية كالجفاف، والفيضانات، والعواصف تؤثر بشكل أكبر على المجتمعات الفقيرة.
[6] النوع الاجتماعي تُعتبر النساء أكثر عرضة للفقر من الرجال بسبب قبولهن بأجور أقل من أجور الرجال عادة في الوظائف المختلفة.
[7] سُوء الحالة الصحيّة يؤدي سوء الحالة الصحية كالعجز، أو الإصابة بمرض معين إلى صعوبة في القدرة على الوصول إلى مكان العمل.
[8] التمييز العنصري قد يتسبب كون الإنسان فردأ في أقليّة ما في بلد معين كالمهاجرين في بلاد المهجر.
[9] عدد أفراد الأسرة تكون الأسرة الكبيرة أكثر عُرضة لخطر الفقر من غيرها من الأسر، لا سيما إذا كان الأب فيها هو المعيل الوحيد.
أثر الفقر في الاقتصاد
يؤدي سوء التغذية الناتج عن الفقر الشديد إلى تدهور صحة الفرد الجسدية والذهنيّة، ويتسبب له بأمراض قد تمنعه من ممارسة أنشطة العمل اللازمة، فينتج عن ذلك نقص في عدد القوى العاملة التي تشكل مصدراً للإنتاج وتساعد على رفع الإنتاجية.
كما أنّ للفقر آثاراً سلبية على الأطفال، فتجعلهم يعانون من سوء التغذية التي تسبب لهم بأضرار قد تستمر معهم مدى الحياة وتؤثر على أجسامهم وعقولهم، لاسيّما أن الطفل الرضيع الذي يعاني سوءاً في التغذية معرّض لأن يُصاب بالتهابات الجهاز التنفسي، والإسهال والحصبة وغيرها من الأمراض، فيما يظهر أثر التغذية السليمة على أداء الطفل بشكل إيجابي في المدارس، وهو الأمر الذي يؤدي إلى رفع مستوى إنتاجيتهم مستقبلاً.
أثر الفقر في التعليم
يُعدّ التعليم الجيد بالنسبة للفقراء مطلباً يصُعب الحصول عليه بسبب ما يتطلبه من تكاليف مادية لازمة لتلبية احتياجاتهم من القرطاسية والكتب، بالإضافة إلى صعوبة تغطية تكاليف الموصلات المدرسية وتوفير وسيّلة نقل مناسبة، بينّما يتضح أثر الفقر على الطلبة الفقراء في عدم قدرتهم على متابعة الدروس المدرسية بسبب صعوبة التركيز أثناء الدراسة في مكان غير مناسب للعيش، وبسبب سُوء التغذية الحاصل نتيجة لعدم تناولهم الطعام بانتظام.
التأثر الصحي والاقتصادي
تتأثر مستويات الإنتاجية ومعدل الاقتصاد بتدني المستوى الصحي للأفراد، فيؤدي انتشار المرض إلى خسارة ما يُقدّر بمليارات الدولارات من قيمة الناتج المحلي كل عام، بالإضافة إلى الوفاة بسبب انتشار فيروس نقص المناعة البشرية، والسّل، والملاريا، لاسيّما أنّ معظم المصابين بهذه الأمراض هّم من الفئة العاملة التي تعتمد عليها الدول في الإنتاج.
أثر الفقر الاجتماعي
رتّب العالم المشهور ماسلو حاجات الإنسان في هرم سُمّي بهرم ماسلو، حيثُ رتّب فيه الحاجات الأساسية للإنسان في قاعدة هذا الهرم تبعاً لأولويتها، وتدرج بها حتى وصل إلى حاجات الفرد الأخرى مثل التقدير، وتحقيق الذات، وغيرهما، حيث أقرّ ماسلو بعدم استطاعة الإنسان إشباع حاجته العليا كالتقدير وتحقيق الذات وما يشابههما إلّا بعد إشباع حاجاته الأساسية المتمثلة بالمأكل والمشرب والمأوى وغيرها، وهو الأمر الذي يُفسر ما يتولّد في نفوس الفقراء الذين لا يقدرون على تحقيق متطلباتهم الحياتية من مشاعر يأس وإحباط، وعدم انتماء للأسرة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى حدوث مشاكل أسرية تؤول في أغلب الاحيان إلى تفكك أسري يعيش الفقراء على إثره منعزلين عن المجتمع، بينّما تتسبب الفجوة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء في بعض المجتمعات بحدوث مزيد من مظاهر العنف، حيث يشكّل الفقر تحدياً أخلاقياً قد يصعب تجاوزه.
إنّ ايجاد حلول جذرية لمشكلة الفقر أمر في غاية الأهمية نظراً لضرورة تجنب الكثير من المشاكل الاجتماعية، والتي تعدّ ظاهرتا التشرد والتسوّل إحداها، إذ يؤدي الفقر الشديد لانتشارهما لا سيما بين الأطفال الذين يعتبرون أكثر عرضة للإيذاء والاستغلال، كما أنّ الفقر يؤدي إلى انتشار سلوكيات غير سويّة لكسب المال والطعام كالسرقة، والعنف.
بالعودة إلى المفهوم الاصطلاحي للفقر يتّضح أنّه الافتقار إلى الوسائل المادية اللازمة لتلبية الحاجات الأساسية اللازمة للبقاء، أو كما تُعرّف -الحاجات الأساسية- من منظور آخر بأنها الحاجات المُتعارف عليها ضمن الإطار الاجتماعي السائد للفرد او الأسرة، مما يعني أنّ العجز عن تلبية هذه الاحتياجات للدرجة التي تتسبب بالجوع أو الموت أحياناً، أو تلبية احتياجات المأكل والمشرب والمسكن بشكل لا يتواءم مع متطلبات الحياة الكريمة يُعدُّ فقراً، فيما يُلمح ارتباط الفقر بمؤشرات غير اقتصادية ذات دلالة خطيرة مثل: الحالة الصحيّة المتدهورة، وانخفاض مستوى التعليم، وعدم امتلاك المهارات الكافية، وارتفاع معدل الجريمة، والسلوك المنحرف، بالإضافة إلى عدم توفر فرص العمل، أو عدم توفر الحافز في العمل.
العراق: كيف يؤثر الفقر على مستقبل الأطفال؟
في العراق حيث يعيش أكثر من عشرة ملايين شخص تحت خط الفقر حسب دراسة أصدرتها وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية، أجبرت كثير من العائلات أبناءها على ترك المدارس للعمل. من بين هؤلاء أحمد الذي تخلى عن حلمه في أن يصبح مهندساً أو طبيباً بيطريا ليجوب الشوارع من أجل بيع المناديل الورقية كي يعيل أسرته.
اضافةتعليق
التعليقات