لن أبكي غزة، ليس لأنني لا أكترث، ولا تربطني بهم صلة قرابة أو صداقة مثلاً، فلدي أصدقاء هناك، وهم أخوان لي في الدين ونظراء لي بالخلق، ليس لأنهم شهداء والشهداء مرتبة يتمناها كل المؤمن وله بها الجنان العاليات والمغفرة الواسعة، وليس لأن الأمر مستمر وأنا اعتدته وما في اليد حيلة، لكنني لو أردت البكاء لما سكت، لا تكفيني ساعة بين ساعات اليوم، ولا عطلة نهاية الأسبوع، ولا حتى شهر، بل أنني أعجب أن الناس وأنا منهم مستمرون في العيش وقادرة على ذلك ويحصل ما يحصل، فأنه أمر قاسٍ أن يتعين على المرء أن يستمر رغم كل شيء.
الظلم كل الظلم بالنسبة لجميع المسلمين بل لكل الناس مرفوض تماماً، هذه هي عقيدتنا، ولكن يحدث أن لا نرى أو نسمع أو ندرك مستويات الظلم في مكان من الأماكن أو زمان من الأزمنة، أما وإننا نرى ونسمع، وكل الظلم موثق، والعدو عدونا جميعاً، حاقد كاره مختل، فالمصاب جلل، فترى الأطفال يتفحمون، وتترامى أشلاؤهم، وتقطع أياديهم وأرجلهم من دون تخدير ويموتون جوعاً.
وكامرأة أرى أشباح النساء المعذبات حولي، فهناك امرأة اقتلع رحمها عند الولادة لأن أبسط المعدات الطبية غير موجودة، وتلك التي انجبت طفلاً ما كُتب له أن يعيش جوعاً وعطشاً وانعداماً في الرعاية الصحية، وتلك التي لا تجد احتياجاتها الأساسية فتصاب بالأمراض وتقتلها، وتلك الأسيرة التي تعامل بشكل مهين ويهتك حجابها، وتلك التي تستيقظ في حيرة وخوف، ماذا ستقول لأولادها إن قالوا جوعى أو خائفين، أو ارتجفوا تحت المطر، وكيف سيمر عليها شهر رمضان هذا العام وهي تعلم أبناءها الصيام؟
أحاول ألا أراهم أحياناً لأن حجم البغي والتجبر قد فاق المدى لكنهم هناك، في اللحظة التي أغفو فيها وبمجرد أن أفتح عيني، إن مرضت ووجدت طبيبة تعالجني، وأن تناولت طعاماً هنيئاً وشربتُ ماءً نظيفاً، وإن كانت غرفتي دافئة وغطائي جاف وسميك، وحين تقع عيني على عبارة "لعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به" في زيارة الحسين (عليه السلام) فكل راضٍ بظلم ملعون، إنهم هناك جميعاً رجالاً ونساءً وأطفالاً، أشخاصاً حقيقون، ليسوا أخباراً وأعداد تُحصى.
حياة المرأة بسبب تكوينها الحيوي عصيبة بالفعل، فكل النساء في الوضع الطبيعي يعانون من صداع، ومشاكل في البطن، ونقص في المعادن، واضطرابات في المزاج، وغير ذلك الكثير وهي أمور ذات مسوغات طبية، النساء يمرضن أكثر، وأجسادهن أضعف، واحتمالهن قليل في الحالات الاعتيادية، فماذا يفعلن في الصقيع، تحت القصف، جوار الموت، وفي عناق الجوع والعطش، وانعدام الأساسيات الصحية، ودوام التشريد؟
كيف نصدق هذا العالم مجدداً وهو يتشدق بعبارات حقوق المرأة والإنسان والطفل والحيوان؟ ثم نرى كيف يعاملون الأسيرات والأسرى وهم فخورين بذلك؟
أو حين يتركون الناس تموت جوعاً وبرداً؟
أشعل الأضواء كلها لأن العالم مظلم جداً، قاتم، معتم، مخيف، وأشرع الأبواب والنوافذ كلها، فلا يكفيني هذا الهواء، أنا أختنق باستمرار، فلم تربيني أمي على حب الحسين (عليه السلام) لكي أرى الظلم وأتجاهله، الحسين قضية ورمز لكل المظلوم، لكل من يقول الحق حقاً ولا يشري به ثمناً بخساً، ولا يرضى الإسلام هو أن المسلم وذله وانقياده كنعجة من أجل أن يحيا في الدنيا حياة يومين زائلين.
ولولا رحمة من الله، ولولا حلاوة معرفة الله والإيمان به واليقين بعدله وحكمته لما ثبت عقل.
اضافةتعليق
التعليقات