كيف تجعل من القراءة واقعاً تعيشه؟ السؤال الذي يدعوك للتفكير كثيرا ويغير نظرتك إلى الكتب على أنها ليست رزمة ورق ميت؟ إنها عالم حي متكامل، فهل نستطيع اكتشاف ذلك العالم، وايجاد مساحة خاصة للعيش فيه بعيدا عن صخب الروتين اليومي وضغوطات المحيط الاجتماعي؟.
نعم يمكن اكتشاف العالم، لكن ليس على طريقة كريستوفر كولمبوس، مكتشف أمريكا الذي مخر عباب البحار والمحيطات الكبرى، فنحن يمكننا اكتشاف عوالم الانسان الداخلية التي تمتاز بالعمق، وقد يصيبها الظلام إذا لم يدخلها ضوء الكتاب.
لقراءة الكتب فوائد لاتعد ولا تحصى، إنها تخلصنا من مرض القلق والتوتر الذي يداهمنا في العمل والبيت والسوق، وحتى قبل النوم وبعده، وفي هذا السياق يقول الروائي توماس دي كيمبيس "بحثت عن الطمأنينة في كل مكان، فلم أجدها إلا بالجلوس في ركن منزوٍ وفي يدي كتاب".
فالكتب طريق النجاة من هموم الحياة المليئة بالخيبات والأحزان، أما الأغلفة السميكة للكتب فهي تحمل بين طياتها عالما خفيا لا يعرف قيمته إلا من أبحر وتعمق فيه، والقراءة تذكرة سفر مجانية إلى ذلك العالم، إنها الملجأ والمأوى للنفوس الحائرة والتائهة كما وصفها الروائي فرانس كافكا مثل "الفأس الذي يكسر البحر المتجمد بداخلنا".
لكن القراءة ليست مادة مسكنة مثل العقاقير الطبية، إنما هي مفتاح لنوافذ كبيرة نرى من خلالها أكثر من حياة، وتبسط الأمور في زمن التعقيدات، فالقراءة تفتح أمام الانسان آفاقا يستطيع من خلالها تجاوز كل الصعوبات ويحقق أهدافه، والمؤلفات التي تتحدث عن النجاح والأشخاص الناجحين تشرح لنا كيف تجاوزوا الصعاب وحققوا أهدافهم فتحفز الانسان لتحقيق أهدافه، وتؤكد له أن مشروعه ليس مستحيلا.
الكتب تخرج ما بداخل الانسان من مواهب وابداعات وطاقات وتهيء له الطريق للسير نحو المستقبل بطريقة صحيحة، وكلما عاش الانسان وتمرس مع الكتب صغرت كبار مشاكله وقلت همومه، وقراءة بضعة صفحات من كتاب تأخذ الانسان لعالم مليء بالخيال والمتعة والمعرفة وتفتح له أبواب النجاة وتحل أموره المستعصية.
من لا يقرأ يعيش حياة واحدة حتى لو اجتاز السبعين عاماً. أما من يقرأ، فيعيش خمسة آلاف عام. القراءة أبدية أزلية. بهذه العبارة يصف الكاتب امبرتوا ايكو تجربة القراءة، فالتجول في صفحات الكتب سفر إلى عالم مختلف وعيش مع شخصيات متعددة بعيدة عنك جغرافيا، وتعيشك المتعة والتنوع الثقافي وتجعل منك شخصا يستطيع تحليل النصوص، فهي المسار نحو التخيل وتجديد الآفاق الفكرية.
وغالبا ما نواجه مشكلات في الحصول على مفردات جديدة نتعامل فيها مع محيط اجتماعي يحب الجديد، هنا يمكننا أن نغترف من عذب عصير الكتب التي تزيد رصيد الشخص من المفردات والمعاني والأفكار وتقوي مهاراته الكتابية وتقلل من الضغوط الاجتماعية التي يمر بها فتحقق الصفاء الذهني وتصنع السكينة والهدوء وتشعره بالطمأنينة وتخلق منه شخصا ايجابيا.
تبقى المهمة الخطيرة في القراءة، وهي أزمة الملل، لأن كل ممارسة يمكن أن نملها بعد فترة من الزمن، لكن هذه القاعدة لا تنطبق على القراءة، لأن الملل يأتي من التكرار، ولأن الكتب قد خطتها عقول مستنيرة وباختصاصات متنوعة، فهي تعطينا جديدها كل مرة، وهذا يكفي ليجعلها عصية على الملل.
إذا لم تكن شخصا شغوفاً بالقراءة، فأنت ملزم بقراءة كتاب واحد في مجال تحبه وابدأ بالتمعن فيه، لا تتسرع للانتهاء منه، فقط تمتع بقراءته، سوف تدرك حينها أن قراءة المواضيع التي تحبها أو المثيرة بالنسبة لك قد تكون فواتح الشهية لمزيد من القراءات الجديدة، وتجد نفسك برفقة صديق جديد في غاية المعرفة والمتعة والتسلية، صديق لا يمكنك الاستغناء عنه، كما إنه يكون رفيقك مدى الحياة بدون أن يطلب مقابلا لتلك الصحبة البريئة.
اضافةتعليق
التعليقات