متى تُختبر نوايا الرجال؟ وكيف يكتشف المعدن الأصيل من المعدن المزيف؟ وهل يمكن الركون إلى المواقف الظاهرية، والتي يبديها البعض أيام العسرة والشدة؟
كثيرة هي الأسئلة التي تحوم في أفق الكتابة، حين يتم الحديث عن أبي طالب عم النبي الأكرم.
لم يقتصر دور العم في الكفالة فقط، كما هو واضح من مجمل المواقف، بل تعدّاه الى دور الناصر والمُعين والظهير، ونحن لا زلنا للأسف الشديد ندور في حلقة مفرغة كل عام، حين تصادف ذكرى وفاة العم، ولكي نحسن نوايانا في نصرة المظلوم، لا زلنا إلى الآن نخوض غمار الدفاع عن ايمان أبي طالب، في قبالة من كفّروه ولم ينصفوه، بل ووقّعوا بالعشرة على أنه مات مشركا!
دعونا نستعرض بعض المواقف والمحطات، التي أثبت فيها عم النبي أبو طالب، ليس فقط ايمانه بالدعوة، بل نصرته ومعيته للدين الجديد.
١/ اشعاره وكلماته :
يا شاهدَ الخلقِ عليَّ فاشهدِ
إني عـــــــــلى دينِ النبيِّ محمدِ
ألا أن خيرَ النـاسِ أمّاً ووالداً
إذا عُدَّ ســــاداتُ البريةِ أحمدُ.
ألمْ تعلموا إنّا وجـــدنا محمداً
رسولاً كموسى خُطّ في أولِ الكُتبِ
وأن عليه في العبادِ مــــحبّةٌ
ولا حيفَ فيمن خصّــــه اللهُ بالحبِّ.
وأتساءل: هل تحتاج هذه الأشعار المأثورة عن أبي طالب إلى تأويل وتفسير؟!
وهل يُفهم منها غير معناها الواضح لكل ذي عينين؟
فلو أن شخصا محدود الثقافة قرأها، لما راوده أدنى شك في تصديق ايمان قائلها، ولاكتفى بها أدلة دامغة على عمق نصرة وتأييد أبي طالب لدين الاسلام.. إنها أبيات شعرية واضحة الدلالة والمعنى، ولا يمكن تأويلها إلى غير وجهتها، فهي تنطق بلسان عربي مبين، يفهمها كل ناطق بلغة الضاد، ولكن ماذا نفعل فيمن يحاول تشويه مسيرة العم المناصر، بأحاديث موضوعة، وأخرى ضعيفة السند ومهلهلة لا تصمد أمام الحقائق الثابتة؟!
٢/ مواقفه الرسالية في نصرة الدين الجديد:
موقفه من الصحيفة :
المتتبع المحايد لحياة عم الرسول، يجد ان نصرة أبو طالب للنبي الأكرم، لم تكن من باب القرابة والنسب، وإنما كانت تأييدا صريحا لدين الحق، آمن بها صاحبها بدعوة الاسلام، باعتبارها امتدادا للابراهيمية الحنيفية.
لقد كان أبو طالب شاهداً على آية رسول الله الباهرة في أمر الصحيفة، التي كتبتها قريش وقاطعت فيها بني هاشم، فأكلتها الأرضة وفيها يقول:
وقد كان من أمر الصحيفةِ عبرةُ
متى ما يخبر غــــائب القوم يعجبِ
محا الله منــــها كفرهم وعقوقهم
وما نطقوا مــن ناطقِ الحقِ معربِ
فأصبحَ ما قالوه في الأمرِ باطلاً
ومن يختلق ما ليس في الحقِ يكذبِ
وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقاً
على سخــــــطٍ من قومنا غير متعبِ.
هذا موقفه من الصحيفة التي أكلتها الأرضة، أما موقفه من الدعوة الشريفة نفسها، فيلخصها الموقف التالي :
(عندما عرض النبي (صلى الله عليه وآله) أمر الدعوة على أبي طالب قال: بأبي أنت وأمي يا ابن أخي، مُر تُطع واحكم أنفذ إن شاء الله).
٣/ أقوال رعيل صدر الاسلام في أبي طالب
كانت قريش تلقبه بـ (الشيخ) لعلو مقامه وسمو منزلته عندها، وشجاعته التي لم يدانيه أحد بها، كما يدلنا على ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): رحم الله عمّي أبا طالب فلو ولد الناس كلهم لولدوا شجعانا.
ويكفي هنا أن نُشير إلى قول الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): وَاللَّهِ مَا عَبَدَ أَبِي وَ لَا جَدِّي عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَلَا هَاشِمٌ وَ لَا عَبْدُ مَنَافٍ صَنَماً قَطُّ.
قِيلَ وَ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ؟
قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ إِلَى الْبَيْتِ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ مُتَمَسِّكِينَ بِهِ.
أما اخوه العباس بن عبد المطلب، فإن له قولا في أخيه أبي طالب، يدل على عظيم مكانته في قريش فيقول:
(ننتظر رأي الشيخ أبي طالب فنحن في ترقب، ومتى أستظهرنا رأيه تابعناه، وما كان لأي منا أن يتخلّف أبداً).
وأيضا قال العبّاس: يا رسول الله ما ترجو لأبي طالب؟ قال: (كلّ الخير أرجوه من ربّي).
فهل كان النبي يرجو الخير كل الخير لمشرك مثلا؟ ما لكم كيف تحكمون؟!
لقد كانت نصرة عم النبي لدين الحق، نصرة واضحة لا لبس فيها ولا جدال، إلا أن من يحاول أن يظهر عكس ذلك، فعليه أن يأتينا بدليل قاطع على قوله بل على مزاعمه الباطلة، وإلا فليسكت خيرا له، قبل أن يلقمه الحق بحجر فيسكته رغم أنفه... فالتقوّل على النبي الأكرم بأنه قال في حق عمه من أنه في النار، لا يجديهم نفعا، ولن يشكل فارقا يُذكر في بطلان حجتهم، ومع وجود الأدلة والبراهين القاطعة على إسلامه، يكفي دليلاً واحداً يسكت الجميع بمن فيهم أقلام حاشية السوء، وهي وجود زوجته فاطمة بنت أسد وهي مؤمنة آنذاك، وقد نهى الإسلام بصريح الآية القرآنية، بعدم جواز بقاء المرأة تحت رجل مشرك، فكيف تمّ ذلك وفي حضور النبي الأكرم؟!
لقد ناصر أبو طالب دعوة الاسلام، وآزرها بكل كيانه ومكانته، وذب عنها بكل ما يملك من وجاهة ومقام، حتى أن النبي الأكرم لم يصل إليه أي مكروه، حتى مات رضوان الله عليه، فنزل جبرائيل على النبي (صلى الله عليه وآله)، وقال له: (أخرج من مكة فقد مات ناصرك).
فشهادة نصرة أبو طالب لدين الله، قد وقّعتها يد الغيب على لسان جبرائيل، وكفى بشهادة السماء حقا وصدقا.
اضافةتعليق
التعليقات