يعدّ صيام شهر رمضان المبارك ركناً من أركان الإسلام، وهو فريضةٌ فرضها الله تعالى، وأوجبها على كلّ مسلمٍ قادرٍ بالغٍ، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، والصّيام بمعناه الاصطلاحيّ: هو أن يمتنع المسلم عن تناول الطعام والشراب، وسائر المفطرات، لمدّةٍ معيّنةٍ؛ وهي من طلوع الفجر، إلى أن تغرب الشمس, وهو الشهر الوحيد الذي صرح القرآن باسمه، وكرّمه بالآية المباركة:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وروي عن الإمام الصادق في قوله تعالى: ﴿إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ إثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السّماواتِ وَالأرْضَ...﴾ قال: فغرة الشهور شهر الله وهو شهر رمضان، وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان. فاستقبل الشهر بالقرآن وروي عنه قال :قال رسول الله: " شهر رمضان شهر الله (عز وجل) وهو شهر يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو السيئات، وهو شهر البركة، وهو شهر الإنابة، وهو شهر التوبة، وهو شهر المغفرة، وهو شهر العتق من النار والفوز بالجنة، ألا فاجتنبوا فيه كل حرام وأكثروا فيه من تلاوة القرآن، وسلوا فيه حوائجكم، واشتغلوا فيه بذكر ربكم، ولا يكونن شهر رمضان عندكم كغيره من الشهور؛ فإن له عند الله حرمة وفضلاً على سائر الشهور، ولا يكونن شهر رمضان يوم صومكم كيوم فطركم".
هذا هو شهر رمضان المبارك، حيث يقترب المسلمون فيه إلى مرضاة الله جل وعلا، ويتنافسون في عبادته، ويقتربون فيه من رحمته، إنه شهر حافلٌ بالطاعات، مفعم بالقربات، جعَلَه المولى لعباده شهراً للتوبة والندم على ما فات، من الذنوب والزلات، شهر تسكب فيه الدموع، وترى فيه الخضوع والخشوع، ليقبل العباد على ربهم، ويعودوا إلى خالقهم، ويتوبوا من ذنوبهم. فشهر رمضان اختصه وميزه عن غيره من الشهور بأنه شهر كامل تنصرف فيه عبادات عظيمة إلى الله عز وجل.
وهو شهر تربى فيه الأمة على الأخلاق الفاضلة والصبر، وعلى التعلق بالله عز وجل تعلقاً عظيماً. لا شك أن المسلم مطالب بأن يكون حسن الخلق في كل وقت وحين، وهذا أمر معلوم ولا شك فيه، لكننا في رمضان مدعوون إلى مزيد من تهذيب النفس إلى جوار الأعمال الفاضلة الأخرى وبهذا فإنّ للصيّام فوائد وبركات كثيرةٌ يمكن للمسلم أن يحصلّها من خلال صيامه، وفيما يأتي بيان بعضها:
فوائد الصوم التربوية:
- يحقّق المسلم الصائم تقوى الله -تعالى- ورضوانه، من خلال اتباع كلّ ما أمر به الله تعالى، واجتنابه كلّ ما حرّم.
- يشعر الصائم برحمة الله -تعالى- التي نالها، وتتبين رحمة الله -تعالى- بأنّه لم يفرض الصيام طوال الحياة، ولا طوال اليوم، - بل أيّامّاً معدودةً، وأجزاءً من اليوم، ومن رحمة الله -تعالى- أنّ صيام العبد يصحّ، حتى لو أكل أو شرب في حالة النسيان فقط.
- يربّي الصيام نفس المسلم ويمتحنها، من خلال صبره على تحمّل الجوع والعطش، وقدرته على اتباع أوامر الله تعالى، واجتناب ما نهى الله عنه.
- تزداد وتتقوّى محبّة الله -تعالى- في نفس المؤمن؛ لأنّ المؤمن يرى ما أعدّ الله -تعالى- له في رمضان؛ من أجرٍ ومغفرةٍ، وعطايا وهباتٍ، فبذلك تزداد المحبّة.
- يربّي النفس على الجود والكرم والسّخاء؛ من خلال إخراج الصدقات، وقضاء حاجات الناس، والقيام بالأعمال الصالحة، والعبادات؛ كالصلاة، وقراءة القرآن، وغير ذلك من الأعمال الصالحة.
- يعوّد المسلم بأن يحافظ على نيّته ويجدّدها، ويحرص على أن تكون خالصةً لوجه الله تعالى، في جميع مناحي الحياة.
- يجعل هناك صلةً بين العبد والقرآن الكريم، من خلال استحضار الإنسان أنّ القرآن الكريم أنزله الله -تعالى- في شهر رمضان المبارك، وفي رمضان يُكثر من قراءة القرآن الكريم، وتتدبّر معانيه، ويعيش مع القصص التي وردت فيه، فتزداد علاقة المسلم بكتاب الله تعالى.
- يزيد من إقبال الناس على فعل الخيرات.
- يؤدي العبد عبادة قيام الليل، التي تحمل في طيّاتها أجر عباداتٍ كثيرةٍ؛ كقراءة القرآن الكريم، وفي ذلك الوقت يُستجاب دعاء المؤمن، وإنّ صلاة قيام الليل هي نورٌ للعبد يوم القيامة.
- يزيد من إقبال المسلم على أداء الاعمال الصالحة، حيث إنّ أجرها يُضاعف في رمضان.
- يربّي الأمّة على الوحدة والاجتماع، ويؤصّل ذلك المعنى في نفوسهم، من خلال صيامهم جميعاً في وقتٍ واحدٍ، وإفطارهم في وقتٍ واحدٍ، وعلى مائدةٍ واحدةٍ.
- يربّي النفس على الالتزام بشرع ودين الله تعالى، من خلال صيام الإنسان، وإفطاره في الوقت المحدّد.
- يتعلّم المحافظة على وقته، واستغلاله أفضل استغلال، من خلال القيام بأعمالٍ مفيدةٍ، وأداء الطاعات.
- يربّي المسلم على التحلّي بالأخلاق الحميدة، والابتعاد عن الاخلاق الذّميمة؛ كالغضب، ويحفظ لسان المسلم من قول الشتائم، وما قبح من القول، ويجعل المسلم يتحلّى بالصبر على أداء الطاعات، والصبر على عدم ارتكاب المعاصي.
- يجعل المسلمين أمّةً متماسكةً، يشعرون ببعضهم البعض، فيشعر الغنيّ بالفقير والمحتاج، فيتعلّم المسلم أن يُحسن إلى غيره، ويتعاون معه، ويقدّم له النفع والمساعدة.
- يتولّد لدى المسلم عبادة حسن الظّن بالله تعالى. يعوّد المسلم على الإكثار من الدّعاء؛ لأنّ دعوات الصائم لا يردّها الله تعالى. يغفر الله ذنوب عباده الصائمين، ويدخلهم جنّات النعيم.
فبهذا فإنّ الصوم امتحان واختبار لصدق الإنسان مع الله تعالى، وكشف لعلاقته به، وحبه له، ورغبته في الإخلاص له، بردع النفس عن الملذات والشهوات، وتغلب حب الله والاستجابة لإرادته على حب الإنسان لذاته.
شهر رمضان شهر كريم وهو واحة من واحات التفكر والتدبير والعبادة، وهو محطة يخلد فيها الإنسان إلى الراحة من صخب الدنيا وحبها والجري وراءها، ليتجه إلى الله تعالى بكل أحاسيسه وجوارحه ليتزود بالتقوى والبركة.
أيام شهر رمضان أيام لو علم الإنسان ما مدى أهميتها لما أهملها ولجعلها خير الأيام في تلك السنة، أيام يقضيها بالاستغفار والندم والتوبة والدعاء إلى الله بقلب صافٍ نقي ونية صادقة، تلك أيام لا تصفها الكلمات ولا تعبر عنها الجمل. في الصوم ينهانا المنهج الرباني عن أشياء ويأمرنا بأشياء أخرى، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك وبطنك وفرجك واحفظ يدك، وأكثر السكوت إلاّ من خير». «فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب وغضوا أبصاركم، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابوا ولا تماروا ولا تتنابزوا ولا تجادلوا ولا تظلموا ولا تسافهوا ولا تزاجروا ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة والزموا الصمت والسكوت والحلم والصبر والصدق ومجانبة أهل الشر واجتنبوا قول الزور..».
إنّ شهر رمضان معهد نتربى فيه على الأخلاق الفاضلة وننتهي عن الرذائل، فمن خلال هذه المثل والقيم إن التزم بها الصائم يصبح شخصية مؤمنة مثالية ملتزمة وقائداً منتصراً وتصبح الأُمّة الإسلامية أُمّة ملتزمة وبالتالي تتوفق إلى رضا الله وعطفه عليها.
اضافةتعليق
التعليقات