ان الأشخاص في بعض الأحيان يمرون بمواقف لايمكن فيها السيطرة على مشاعرهم ويصبحون غير قادرين على التحكّم في مستويات التوتّر لديهم، مما يتسبب في العديد من المشاكل الصحيّة العويصة والتي يتداخل فيها التشخيص العضوي والنفسي؛ مثل التوتّر الشديد الذي ينتج عنه ارتفاع ضغط الدم وإرباك جهاز المناعة، فيصبح أولئك الأشخاص عرضة للإصابة بالنوبات القلبية، وتظهر عليهم بوادر الشيخوخة المبكرة.
ولتجاوز تلك المشاكل الصحية والنفسية أكد الخبراء؛ أنّ العمل على تطوير وتنمية مهارات الذكاء العاطفي أو الوجداني لدى أولئك الأشخاص هو البلسم الأساس. كما يؤكد الخبير في الذكاء العاطفي دانيال غولمان أنه من السهل أن نتعرف على الشخص ذي الذكاء العاطفي المنخفض مقارنة بغيره، حيث تتسم هذه الفئة من الناس بالسلوك الصاخب وسرعة الانفعال والانجراف وراء المحفزات وصعوبة تكوين علاقات اجتماعية ناجحة وفي تقرير نشرته مجلة "لامنتي إسمارافيوسا" (lamenteesmaravillosa) الإسبانية، تقول الكاتبة فاليريا سباتير إن الذكاء العاطفي يختلف عن الذكاء المعرفي، ويتمحور أساسا حول القدرة على التعبير عن المشاعر والسيطرة على الانفعالات والتكيف مع المواقف المختلفة.
ويقصد بالذكاء العاطفي بأنه مجموعة من المهارات التي يحتاجها الشخص ليتمكن من مشاعره، ويميز الجيد من السلبي منها، ويفهمها ومن ثمّ يتحكم بها ويديرها، كذلك هو القدرة على تمييز مشاعر الآخرين ومعرفتها وفهمها والتأثير فيها. ويمكن تعلم الذكاء العاطفي، فهو ليس بالشيء الفطري، إذ هناك عشرات الدراسات وضعت لأجله حتى بات أحد أبواب العلم التي يمكن فتحها بغرض التعلم. وتجدر الإشارة إلى أن تعلم الذكاء العاطفي لا يتم عبر دراسة نظرية أو تربوية أو تعليمية متوسطة، بل عبر دراسة أكاديمية وحسب، وذلك بالنظر إلى الأبعاد النفسية لهذا النطاق المتعلق بالعاطفة والمشاعر قبل أي شيء آخر.
صفات الإنسان الذكي عاطفياً
فالإنسان الذكي عاطفياً هو شخص يعرف نفسه، ويعرف نقاط ضعفه ونقاط قوته، ويقرأ مشاعره باستمرار، وثانياً يتحمل المسؤولية في علاقاته بالآخرين، وهو إنسان متعاطف، يتفهم مشاعر الآخرين ويراعي هذه المشاعر، وهو إنسان متفائل، لا يشله الفشل ولا تخيفه العقبات بل تزيده تحدياً وحماساً، وهو إنسان يعشق لعبة التغيير، فيتقبل النقد برحابة صدر ويغير نفسه دائماً ساعياً نحو الأفضل، وهو إنسان متسامح، لا يحمل في قلبه غلاً ولا حسداً ولا حقداً. وكما قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" سورة الرعد الآية 11، والشخص الذكي عاطفياً يدرك الربط بين مشاعره وطريقة تصرفه.
ويمتاز بالهدوء في لحظات التوتر، ويكون أقدر من سواه على التعامل بدبلوماسية مع الأشخاص صعاب المراس، وللدقة أكثر فإن الشخص، ذا المستوى المنخفض من الذكاء العاطفي، لا يجد أحدا يفهمه، بل ويسهل استفزازه، على عكس الشخص ذي الذكاء العاطفي المرتفع، فتعلم الذكاء العاطفي الذي ينقسم للوعي بالذات وإدارتها، والوعي بالآخرين وإدارة العلاقة معهم، فافهم المشاعر، وكن ذكياً عاطفياً.
جوانب الذكاء العاطفي
يوجد 5 جوانب أساسية للذكاء العاطفي وهي كالآتي:
1- الوعي الذاتي: يُقصد به قدرة الشخص على تقييم مشاعره الحقيقية وضبطها، ويشتمل ذلك على عنصرين أساسيين؛ الوعي العاطفي والثقة بالنفس.
2- التنظيم الذاتي: يُقصد به قدرة الشخص على التحكّم بالمشاعر السلبية، مثل: الغضب، والقلق، والخوف، والاكتئاب، وذلك من خلال الاستعانة ببعض الأساليب الخاصة بإدارة المشاعر السلبية، مثل: التفكير بإيجابية، أو المشي لمسافات طويلة، أو ممارسة التأمل.
3- التحفيز: يتحقّق التحفيز بوضع أهداف محددة والإصرار على تحقيقها بطرق إيجابية، والتفاؤل عند التعرّض لأيّة عقبات تُصعّب الوصول إلى الأهداف.
4- التعاطف: يُقصد به قدرة الشخص على التعرّف على مشاعر الآخرين وتلبية احتياجاتهم.
5- المهارات الاجتماعية: يُقصد بها مهارات التعامل مع الآخرين، ففي حال حرص الفرد على تطوير هذه المهارات وتعزيزها فهذا كفيل بنجاحه في حياته المهنية.
نقاط تقييم الذكاء العاطفي
بشكل عام، يمكن لهذا النوع من الأشخاص أن ينال إعجابنا، ولكن يجب مراعاة بعض النقاط لتقييم مدى الذكاء العاطفي، وفيما يلي أبرز تلك السمات:
1_ الإنصات الجيد للآخرين.
2_ المحاججة بطريقة واثقة مع احترام أفكار الآخرين.
3_ الأخذ بالاعتبار ردود الأفعال الآخرين، وعدم فقدان التواصل البصري.
4_ التعاطف.
5_ فهم ما يدور حول المرء وإظهار ردود فعل إيجابية تثري النقاش.
6_ قد يغضب أو يحزن أو يشعر بخيبة أمل، لكنه يعرف كيف يتحكم بمشاعره.
فوائد الذكاء العاطفي
يجني الشخص الذي يتمتّع بالذكاء العاطفي مجموعةً من الفوائد التي تؤثّر بشكل إيجابي على جوانب عدّة في حياته كالآتي:
1- أداء الفرد في المدرسة أو العمل: يُحقّق الذكاء العاطفي التفوق في حياة الشخص الأكاديمية والمهنية، إذ يُساعده على تجاوز العقبات التي تواجهه في مجال دراسته أو عمله، ويُكسبه مهارات قيادة الآخرين وتحفيزهم.
2- الصحة الجسدية: فعندما يتمتّع الفرد بالذكاء العاطفي والقدرة على إدارة غضبه وعواطفه ومشاعره، فهذا سيحميه من مشاكل صحية خطيرة، مثل: ضغط الدم، ونقص المناعة، والنوبات القلبية، والسكتات الدماغية، كما يُقلّل من احتمالية الإصابة بالعُقم، ويُبطئ حدوث الشيخوخة.
3- الصحة العقلية: ففي حال كان الشخص قادراً على التحكّم بعواطفه فهذا يُساعده على الحفاظ على صحته العقلية ويُجنّبه نوبات القلق والاكتئاب، والشعور بالوحدة والعزلة الناتج عن الفشل في تكوين علاقات اجتماعية قوية.
4- تكوين العلاقات: إنّ فهم الشخص لمشاعره وقدرته على التحكّم بها يُسهّل عليه طريقة التعبير عنها وإدراك ما يشعر به الآخرون، ممّا يُسهّل من تواصله معهم بفعالية وتكوين علاقات قوية معهم.
5- الذكاء الاجتماعي: حيث إنّ تمتّع الشخص بالذكاء العاطفي يدعم ذكاءه الاجتماعي المتمثّل بنجاحه في التواصل الاجتماعي مع الآخرين وإدراكه لاهتمام الآخرين به ومواقفهم تجاهه، والتقليل من التوتر والشعور بالحب والسعادة.
نصائح هامة لدعم جميع أنواع الذكاء العاطفي
يأتي التعلم الجيد لفن ومهارات جميع أنواع الذكاء العاطفي على أول قائمة النصائح الهامة، حيث يعتبر من أنواع الذكاء المكتسب، واللازم جداً لتطوير الذات وفهمها، ودفعها لتحقيق المزيد من النجاح على جميع المستويات، وفهم الآخرين والتقدم بشتى المجالات، مستعينين في ذلك بالكثير بما قدمنا من معلومات هامة عبر هذا المقال، إضافةً إلى القراءة الجيدة والبحث، مع إمكانية الاستعانة بالمتخصصين في التنمية البشرية والمتخصصين، لتقديم المساعدة اللازمة، وتقديم النصائح الهامة ومنها ما يلي:
اعتماد الذكاء العاطفي بكل مكوناته وعناصره، كأحد المهارات الضرورية اللازمة عند قبول طلبات التوظيف، إضافةً لكل البنود والشروط.
التأكيد على ضرورة الاستثمار بتطوير الذات؛ والسعي لزيادة الوعي، للمزيد من فهم الشخصية وتحديد نقاط ضعفها وقوتها..
التمرين الجيد على إدارة الذات والعواطف المختلفة، بالسيطرة الكافية وحسن التوجيه، ومنع السلبي منها.
تعليم الطلاب بمختلف الأعمار القدر الكافي من مهارات الذكاء العاطفي، لحمايتهم من الانجراف وراء الانحراف السلوكي والمخدرات.
في الختام؛ تتعدد أنواع الذكاء العاطفي؛ حتى يشمل كافة جوانب الحياة، ليعدل منها، ويعلم كل من فيها أن الإنسان أقوى من الاندفاع وراء مشاعره الغاضبة المتسرعة، وأنه بتحكمه بنفسه أقوى وأنجح مخلوقات الله على الأرض، لقد كرم الله الإنسان بالعقل والتمييز، فعليه أن يكون قادراً بما يكفي على التحكم بنفسه، وتوظيف هذه العواطف للمزيد من النجاح والتقدم، ليستحق تكريم الله له بأن جعله خليفته في الأرض.
اضافةتعليق
التعليقات