يشـهـد العقد الماضي تطوراً ملحوظاً في الأبحاث الخـاصـة بأسباب الاكتئاب المرضي، ولكن ما زالت هناك علامات استفهام تحيط بالموضوع. ليس هناك سبب وحيد للاكتئاب، وفي كثير من الحالات يـوجـد تفـاعل بين عوامل الوراثة، التي تجعل من المرء حـسـاسـاً، والظروف الحـيـاتـيـة الـقـاسـيـة. في عائلات كـثـيـر من المراهقين تاريخ من حالات الاكتئاب المرضي لا يؤدي ذلك بشكل محتّم. قد يكون تفسير اكتئابه في المستقبل متمحوراً حول تقليده لمن حوله من أشخاص مكتئبين.
في هذه الحالة، يكون الاكتئاب غير وراثي بل مكتسب. إلا أن الأبحاث قد أظهرت أن للعوامل الوراثية دوراً في كثير من أنواع الاكتئاب. مـا يرثه الفرد هي الحساسية المفرطة بشكل عام لا الاكتئاب فحسب. قد يكون بعض الأشخاص حساسين ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أنهم قد يعانون من الاكتئاب. قد تكون هناك عوامل حياتية تحول دون اكتئابهم كالعلاقات الوثيقة بسهولة. مع أهلهم أو الطبيعة الهادئة التي لا تُثار هناك أحداث قاسية في حياة المرء قد تجعل منه أكثر عرضةً للاكتئاب؛ كالابتعاد عن أحد الوالدين بسبب انفصالهما أو فقدان احـتـرام النفس بعـد الـتـعـرض لـلاعـتـداء أو الفشل.
إن النزاعات العائلية أو معاناة أحد أفرادها من الاضطرابات النفسية والصحية (كالإدمان على الكحول أو الاكتئاب) قد ترفع من إمكانية معاناة المراهق من الاكتئاب. من غير المحتمل أن يصيب الاكتئاب المراهقين الذين يعانون من الأمراض الجسدية كتليف المرارة أو السكري أو الضـعف الكلوي. إلا أن بعض هؤلاء المراهقين قـد يكـتــبـون وخصوصاً عند اكتشافهم ضعفهم الجسدي للمرة الأولى، قد تعجل بعض الأمراض الخطيرة إصابة المراهق بالاكـتـئـاب مـثـل أمـراض الغدة وبعض الأمراض الفيروسية. المراهقون المثاليون والكماليـون مـعـرضـون للإصابة بالاكتئاب أكـثـر من هؤلاء الأكـثـر هدوءاً والأقل إصـراراً على الـوصـول إلى الكـمـال. إلا أن الاكـتـئـاب قـد يصـيب المراهقين مـهـمـا كـانت شخصياتهم. من الصعب تحديد سبب واحد للاكتئاب دون غيره، ففي العادة تكون الحالة نتيجة لتفاعل عدة عوامل، قد تتباين حدة هذه العوامل، فمنها ما يبدو سخيفاً لبعض الناس وغير كاف لتوليد الاكتئاب ومنها ما يكون أكثر قسوة.
كثيراً ما يرتبط الاكتئاب بالمشكلات السلوكية والصعوبات التعلمية والحركة المفرطة/ النقص في الانتباه، السبب الذي يجعل من المراهقين الذين يعانون من هذه الاضطرابات أكـثـر عـرضـه للإصابة بالاكتئاب هو تكرار التجارب السيئة التي يمرون بها. تشمل هذه الصـعـوبات قلة الصـداقـات أو الفشل الأكاديمي أو التـعـرض للنقد المسـتـمـر. تكون ثقـة هؤلاء المراهقين بأنفسهم مـتـزعـزعـة وكـثيـراً مـا يحاولون عدم إظهار ذلك وينتهي المطاف بتصرفهم بطريقة عدائية وعنيفة .
هل ازداد اكتئاب المراهقين عما كان في الماضي؟
من الصعب الإجابة عن هذا السؤال؛ لأنه ما من إحصاءات تشير إلى نسـبـة اكـتـئـاب المراهقين في الماضي، لم تكن هذه الإحصاءات متوفرة قبل بدء الأبحاث حيال هذا الموضوع منذ 15 أو 20 عـامـاً. من الواضح أن عدد المراهقين المكتــبين الذين تتم معالجتهم بتزايد مستمر. إلا أن ذلك قد يعود إلى عوامل عديدة كـارتـفـاع عـدد المراكز التي تقدم هذه الخـدمـات أو ازدياد عـدد الأهالي المستعدين إلى طلب المساعدة دون الشعور بالإحراج.
ماذا يحل بالمراهقين المصابين بالاكتئاب؟
تبدو دلائل المسـتـقـبـل إيجابية للمراهقين الذين يعانون من الاكتئاب. كثيراً ما يزول هذا الشعور حتى إن لم يحصلوا على أي علاج . أظهرت دراسة حديثة لمجموعة من المراهقين المكتئبين أن الاكتئاب يزول بعد سنتين من عـمـليـة التـشـخـيص في 80 % من الحـالات. لا تتكرر إصـابة معظم المراهقين المكتئبين بهـذا الاضطراب النفسي، ولكن بعضهم قد يعاني منه مجدداً، خصوصاً عند تعرضهم للظروف الصـعـبـة والضغط النفسي والتـغـيـرات الحياتية ( كالانتقال من مكان إلى آخر أو الإنجاب أو خسارة وظيفة مـا أو الانفـصـال عـن أحـبـائهم). لا يمكن تجنب هـذه الظـروف ولكن ذلك يشـيـر إلـى ضـرورة توعـيـة المراهقين والأهالي حـيـال التغلب على اكتئاب المراهقين العـوارض المبكرة لـلاكـتـئـاب . إن ذلك يسـاعـدهم على الـقـيـام بالخطوات اللازمة والفاعلة في بداية المشكلة وقبل تطورها لتصبح اكتتاباً مرضي في بعض الحالات النادرة، يتكرر الاكتئاب بشكل منتظم في أوقات عدة في حياة المرء ويشعر في الأوقات الأخرى بسعادة لا توصف، تسمى هذه الحالة بالاكتئاب الجنوبي.
إن أكثر ما يخيف أهالي المراهقين المكتئبين هو الانتحار، من البـديهـي أن يخـشـى هؤلاء من ذلك الأمـر إذ إن نسـبـة انـتـحـار المراهقين قد ارتفعت إلى حد كبير خصوصاً عند الذكور، إلا أن الاكتئاب لا يؤدي بالضرورة إلى الانتحـار، وقـد يكـون مـن غـيـر الممكن منع أي شخص مهما كان عمره من الانتحار إن كان مصـراً على القيام بذلك ، ولكن هناك وسـائل تقلّص من إمكانية حدوث ذلك ، حيث هناك الكثير من الأمور التي يستطيع الأهالي القيام بها للتغلب على خوفهم من انتحار أبنائهم.
يشفى المراهقون من الاكتئاب ولكن ذلك قد يستغرق وقتاً طويلاً قـد يصل إلى السنتين، مما يعني عـامين من الخلل على مستوى الصداقات والحياة الأكاديمية والرياضة والمتعة. قد يكون بوسع الأهالي المساعدة إلى حد كبير في كثير من الحالات، فربما لا يكونون قادرين على إزالة الاكتئاب بشكل كامل ولكنهم يستطيعون اتخاذ تدابيـر فـاعـلة تضـمـن حـصـول المراهق على المساعدة التي يـحـتـاج إلـيـهـا. كـمـا أن هذه الخطوات تظهـر لـلـمـراهـق أن عـائـلتـه تسانده وتعطيه أملاً بحياة أفضل وأقل صعوبة .
اضافةتعليق
التعليقات