اسمٌ شريفٌ، صديق، تلألأ ذكرُه في آيةٍ من سورة (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، (هود: 86).
والبقيَّةُ مِن الشيءِ هي أطيبُهُ وأشرفُهُ وأطهرُهُ وأنقاهُ وأعلاهُ رتبة، وهم محمّدٌ وآلُ محمّد "صلواتُ الله وسلامه عليهم"، أما "بقيَّةُ اللهِ" في زمانِنا، فهو إمامُ زمانِنا المهديُّ المنتظر، أرواحنا فداه.
"البَقيَّة" بمعنى الباقي: أي ما أبقى الله تعالى، وبقية اسم من أسمائه الشريفة، اسم وخاص مختص بصاحب العصر (عجّل الله فرجه)، وهذا الاسم الأول في فصل ندبته (عجّل الله فرجه)، فلم يبق من كل الأنبياء والمرسلين عليهم السلام والأوصياء أحد إلّا البَقَّية الباقية، بقية تنسب إلى الله تعالى، فهو تعالى لا يترك الأرض من حجة، إمّا ظاهرًا مشهورًا أو خائفًا مستورًا، لا يوجد غير الإمام صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه).
يأتي اسم الفاعل في قوله الهادية: أي بقيَّة الله الهادي للأمة الذي لا يمكن أن تخلو الأرض منه ولو خلت ساعة لذهب الوجود وانعدم، وكذلك في قوله «دابر» في المقطع «أين المُعدّ لقطع دابر الظلمة»، الدابر الأصل، وقال ابن بُرُزج: دَابِرُ الأَمر آخره، ودُبُرُ الأَمر آخره، ودُبُرُ الأَمر ودُبُرُه آخره، ودابِرُ القوم آخر من يبقى منهم ويجيء في آخرهم (١١).
وذكر "بقيَّةِ الله" في بياناتهم النورانية عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعريّ قال: خرج أبو محمّد، الحسن بن عليّ العسكري (صلوات الله وسلامه عليه) علينا، وعلى عاتقه غلام، كأنّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين. فقال: يا أحمد بن إسحاق، لو لا كرامتك على اللَّه عزّ وجلّ وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا. إنّه سميّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله)،.. مثله في هذه الأمة مثل الخضر (عليه السلام) ومثله كمثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من التهلكة إلَّا من يثبتَّه الله على القول بإمامته، ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه.. إلى أن قال: فنطق الغلام (صلوات الله وسلامه عليه) بلسان عربيّ فصيح فقال: أنا بقيّة اللَّه في أرضه، والمنتقم من أعدائه. فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق.
و(عن أبي عبد اللَّه صلوات الله وسلامه عليه قال: سأله رجل عن القائم، يسلّم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: لا، ذاك اسم سمّى اللَّه به أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه لم يُسمَّ به أحدٌ قبله، ولا يُتسمَّى» به بعده إلّا كافر. قلت: جعلت فداك، كيف يسلّم عليه ؟ قال: يقولون: السّلام عليك، يا بقيّة اللَّه. ثمّ قرأ: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.) الكافي - الشيخ الكليني ،ج ١ص٤١٢/ وقال أيضًا (أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحقّ بقيّة الله في الأرض وصاحب الزّمان) كمال الدين وتمام النعمة - للشيخ الصدوق ج ١ ص ٣٧٠.
وفي حديثٍ عن الإمام محمد الباقر (صلوات الله وسلامه عليه) قال فيه: (القائم منّا منصور بالرعب مؤيّد بالنصر... فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة.. فأوّل ما ينطق به هذه الآية: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.ثمّ يقول: أنا بقيّة اللَّه [في أرضه] وحجّته وخليفته عليكم. فلا يسلّم عليه مُسلم، إلَّا قال: السّلام عليك، يا بقيّة اللَّه في أرضه.
ووصف "بقية الله" بالغصن الطاهر الوحيد الباقي من حجج الله تعالى على الأرض، من تلك الشجرة المباركة، الطيبة ،"شجرة طوبى"، التي ذكرها الباري في: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }../وفي {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ}، فمن أراد الفوز بها وبثمارها، لابدّ أن يتمسك بهذه البقية الباقية. من الأنبياء، البقية من آدم، البقية من نوح، البقية من إبراهيم الخليل البقية من موسى الكليم، البقية من عيسى بن مريم، البقية من محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله).
فإذا ظهر يعيد أمجاد الأنبياء ويتحقق على يديه مالم يتحقق على يد الأنبياء. وهو الخلاصة والعصارة ولب اللباب دون أجداده "أصحاب الكساء" ، وهو الوارث لآبائه الطاهرين ولجميع الأنبياء والمرسلين، كالأئمة الحجج المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم)، فهم جميعا خلاصة وعصارة ومجمع لكل الهويات.
"بقيَّةِ الله" إمام حاضرٌ شاهدٌ بيننا لن يغفل عن النظر في أمور رعاياه، فغيبته حضور ونهايتها ظهور.. وهو بنفسه مَن قال في توقيعه الشريف إلى الشيخ المفيد : " .. فإنّا يُحيط علمنا بأنبائِكم، ولا يعزب عنّا شيء من أخبارِكم، ومعرفتنا بالزلل الذي أصابكم" ..
وما تكرار "دعاء الندبة" بأداة الاستفهام "أين " و"أين"، و"أين" ، إلَّا لكي يستنهض القارئ "الداعي" بترويض متواصل أساسه الاستشعار والإحساس الجاد الفعلي العميق "بقيَّةِ الله"، و بالسبب المتصل بين الأرض والسماء، وبصاحب يوم الفتح وناشر راية الهدى، وبالطالب بدم المقتول بكربلاء...
وبالملاذ والملجأ والحصن والمأوى والستر والحامي والمحامي والمرتجى الذي يُرتجى به ومنه وإليه كل خير ، في كل آن و حين وعند الشدائد والاضطرار.
والمصيبة الأدهى أننا نخاطبه في كلَّ جمعةٍ بذلك وب: (هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء، هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى، هل إليك يا بن أحمد سبيل فتلقى).. وهو لا محلَّ له من الإعراب في حياتنا وأفعالنا ، قلقلةٌ جوفاءٌ، وجفاءٌ ونفورٌ وتباعدٌ. فكم نحن بعيدون بُعدَ المشرقِ والمغرب عن إمام زماننا، وولي نعمتنا، وعلة وجودنا، الذي بِيمنه رُزق الورى، وبِوجوده ثبتت الأرض والسماء!.
النصر والفرج قريب بإذنه تعالى، و"موعود" و"حتمي" بظهوره "بقيَّةِ الله" لا محالة منه ، كما روي ذلك عن الإمام أبي جعفر الباقر (صلوات الله وسلامه عليه): «إن الملائكة الذين نصروا محمدًا صلّى الله عليه وآله يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد ولا يصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الأمر وهم خمسة آلاف "بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج ١٩ ص ٢٨٤ ، إلَّا أنَّ مشيئته تعالى في امتحاننا بانتظار "بقيَّةِ الله" قد يطول أمدُها وقد يقصر، فالأمرُ بيدينا، وبمقدار ما نبذله من أجله ومن أجل تعجيل ظهوره ونصرته ، فقد (طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحا فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون، فحط عنهم سبعين ومائة سنة. قال: فقال أبو عبد الله صلوات الله وسلامه عليه: هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا فأما إذ لم تكونوا فان الأمر ينتهي إلى منتهاه) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٢ - الصفحة ١٣٢.
ألَا يستحقَّ الأمر ان نرتقي بجدٍّ وإلحاحٍ وتضرُّعٍ إلى الباري، متوسلين ببقيَّتهِ "بقيَّةِ الله" وبقيَّةِ "حبيبه محمد" صلّى الله عليه وآله ، حتى يتمَّ له الفرجُ ويحلَّ الظهورُ الموعودُ المبارك؟ .
"اَللَّهمَّ عَجَّل لِوليِّك الفَرجِ وظُهُورِ الأَمَر".
اضافةتعليق
التعليقات