في ذلك الصباح الشتوي، بينما كنت انا وصديقتي فاطمة ننتظر الباص حتى ينقلنا الى مكان العمل، صادفنا الزميل جاسم وهو يتمشى ماراً من الشارع الامامي، فقالت لي فاطمة: "انظري الى جاسم من الواضح انه فقد عقله بالكامل كيف يستطيع ان يتحمل هذا البرد القارس ويسير على قدميه من بيته الى مكان العمل دون ان يستقل سيارة، مجنون هذا الانسان، لو قطع اضعاف اضعاف هذه المسافة لن يتمكن من إنقاص وزنه الكبير".
كتمت جوابي لأني اعرف بأن فاطمة تعرف الجواب جيداً وليست بحاجة ان اعيد عليها الكلام الذي قاله جاسم قبل اسبوع "بأنه يحاول جاهدا ان يقلل من وزنه، كما انه يمتلك صبرا وإرادة قوية على ذلك حتى يصل الى الوزن المثالي".
وعندما وصل الباص، جلسنا انا وفاطمة في اماكننا، وجدنا امامنا فتاة عشرينية تحمل بيدها كتاب انيق من الواضح انه كتاب للتنمية البشرية او علم النفس.. فقالت فاطمة: ما هؤلاء البشر، اظن بأنه يوم الجنون العالمي، انظري الى هذه الفتاة كم هي جميلة وبهية المنظر، لا ادري ما الذي ستجنيه من قراءة هذه الكمية الكبيرة من التراهات المزروعة في الكتب، ألا تدري بأنها ستكمل جامعتها وتعمل في دائرة حكومية خالية من كل هذه الايجابية الزائفة التي تملأ الكتب، وإن كمية الثقة التي تلون الصفحات ستتلاشى في البيت الزوجية؟، قولي لي هل ستعطيها هذه الكتب النصيحة المناسبة عندما يصفعها زوجها على خدها الناعم؟!.
قلت لها: "لا لن تعطيها النصيحة المناسبة التي ستفيدها بعدما يصفعها زوجها على خدها الناعم، ولكن ستعطيها نصائحا تساعدها بأن لا توصل زوجها الى تلك النقطة التي يجبر فيها على الصفع!".
نظرت الي فاطمة نظرة ذهول وغرقت في نفسها وهي تتأمل حياتها وبرود عشها الزوجي.
فقد تبدو بعض المظاهر التي تنمي قدرات الانسان وتصقل شخصيته لا أهمية لها في المجتمع، وغير قادرة على التأثير الفوري العميق، خصوصا وان المجتمع قد تعود على الحلول الجاهزة والفورية التي لا تأخذ وقتا كبيرا حتى تعطي نتائجها السحرية.
وان استهتارنا بالعلاجات طويلة الأمد، خلقت منا أناس تفضل الحلول السريعة والجاهزة التي غالباً ما تكون بمثابة المخدر الموضعي الذي يجنب شعورنا بالألم لفترة معينة ولكن ماذا عن الحل الواقعي؟، حقيقة وضعنا اشبه بذلك الجائع الذي يحاول سد جوعه بأي طريقة ممكنة، فيجد امامه قطعة من الكيك، يأكلها مباشرة حتى يقضي على الجوع او بالأحرى يصبره قليلا، وفي كل الأحوال نعم ستصبره قطعة الكيك لبضع وقت، ولكنها في كل الاحوال لن تسد جوعه بالكامل... سيأكل قطعة الكيك ولكنه في النهاية سيبقى يبحث عن وجبة طعام حقيقية ودسمة.
كذلك الحال مع المشاكل التي تواجهنا في حياتنا، من المهم جداً ان ننظر الى المشكلة نظرة واقعية ونعود الى الجذور التي ساهمت على ان تستفحل المشكلة في حياتنا، ثم نبحث لها عن حل واقعي يقلع المشكلة من جذرها، فالنظر الى المشكلة نظرة واقعية هو امر مهم جداً، لأن تحليل المشكلة ومعرفة أسبابها تمثل نصف الحل.
ومهما كان الحل تافهاً يحب ان لا ننظر اليه نظرة استصغار، اذ ان هنالك مشاكل كبيرة من الممكن ان يكون لها حلول بسيطة لا يمكن للشخص ان يتوقعها حتى، لهذا السبب عندما يقارن كبر المشكلة بصغر الحل، يستهزئ البعض من الموضوع ويعقد حياته أكثر فأكثر.
وهذا هو حال جاسم، فهو يسير من مكان سكنه الى مكان عمله كي يخفف وزنه، ربما قالت فاطمة بأن ذلك مستحيل وان هذه المسافة التي يقطعها لن تتمكن من خفض وزنه الكبير، ولكنه في كل الأحوال يعتبر الحل الصحيح ذو الأمد الطويل، ولكنه يبقى في كل الأحوال حل موفق وصحيح، وسيعطي نتائجا مهمة حتى ولو بعد فترة طويلة.
وهذه آلية توضح بعض النقاط التي ستساعد في فهم ماهية الحل وطريقة تطبيقها على المشاكل التي تواجه الانسان في الحياة:
خطوات حلّ المشكلات:
١- تقييم المشكلة وتوضيح طبيعة المشكلة: ويكون ذلك من خلال تحليلها من جميع جوانبها بعد التفكير والتّمحيص جيّداً.
٢- صياغة الأسئلة الأساسيّة: خصوصًا تلك الأسئلة التي يمكن أن تفيد في حلّ المشكلة، فبعض الأسئلة تلعب دوراً كبيرا بهذا الشّأن، لما لها من قدرة على الكشف عن خفايا الأمور.
٣- جمع المعلومات بشكل منتظم: أي الحصول على المعلومات تدريجيّاً من بداية حدوث المشكلة إلى نهايتها.
٤- تجميع وتنظيم البيانات: أي تفريغ جميع البيانات التي تمّ الحصول عليها على ورق، وتنظيمها بحيث يسهل فهمها.
٥- تلخيص المعلومات: أي تحديد البيانات، والمعلومات الأساسيّة والمهمّة للمشكلة. تحديد الهدف المنشود من حلّ المشكلة.
إدارة المشكلة:
١- استخدام المعلومات التي تمّ جمعها على نحو فعّال.
٢- وضع المشكلة في إطار صغير، بحيث يسهل التّعامل معها.
٣- استخدام تقنيات تساعد في فهم مجريات الأمور الصّغيرة والكبيرة كالعصف الذّهنيّ؛ للنّظر في الخيارات المتاحة.
٤- التعمّق في الخيارات المتاحة.
٥- وضع خطوات متتابعة لاستخدامها في تحقيق الهدف المنشود.
صنع القرار:
١- المفاضلة بين الخيارات المتاحة، إذ يتعيّن اتّخاذ الأولويّات والبدء بها.
٢- اتّخاذ قرار بشأن التحرّي عن مزيد من المعلومات الواجب جمعها قبل اتّخاذ أيّ إجراءات.
٣- اتّخاذ قرار بشأن الموارد كالوقت، والتّمويل، والموظّفين الذين يخصّصون لحلّ هذه المشكلة.
حلّ المشكلة:
١- تنفيذ مجموعة من الإجراءات التي تهمّ المصلحة العامّة، وتفضيلها على المصلحة الخاصّة.
٢- منح المعلومات لأصحاب المصلحة الآخرين.
٣- لتفويض المهمّة للصّالح العام.
فحص النّتائج:
١- رصد نتائج الإجراءات المتّخذة.
٢- تحليل هذه النّتائج، واستعراض جميع الجوانب التي طرأت بعد حلّها؛ وذلك لتفادي حالات مماثلة في المستقبل.
وفي النهاية يجب على الشّخص الذي يقوم بحلّ المشكلة التّحلّي بالصّبر، لأنّ معظم المشكلات تحتاج إلى صبر كبير أثناء تحليلها، ومراقبتها، والتّدقيق بأصغر الأمور، بالإضافة إلى عدم الإحباط في حالة عدم الوصول إلى نتائج جيّدة، أو عدم الوصول إلى الهدف المنشود؛ لأنّ الإحباط هو طريق إلى الفشل وتسليم الأمور إلى الواقع، ويعدّ الصّدق والأمانة أثناء البحث والاستنتاج من أهمّ الصفات التي تقود إلى العدالة المطلقة التي تنصف جميع الأطراف.[1]
اضافةتعليق
التعليقات