التمويه والكذب
إنّ التاريخ البشري احتوى على نماذج من الأنظمة والسلطات الداعية إلى العيش الهانئ والسعادة الشاملة، وكلّ من هؤلاء الدعاة يريد أن يصل إلى مبتغاه بالطريقة التي يراها مناسبة له، ومن ثمّ يفرضها بشكلٍ مستبدّ على المجتمع.
الفئة الأولى من تلكم الأنظمة والسياسات هي فئة كاذبة في دعاواها، وقد تغلّبت على البشرية في أكثر الأدوار، واستخدمت التمويه والكذب والخداع، ولم تفكّر ولو للحظة في مصلحة الفرد والأمة، أو في الحقوق الإنسانية الشخصية.
وأفراد تلكم الفئة ما يزالون مقبلين على الظلم والتسلّط على رقاب الشعوب المسلمة خاصّة، بشتى وسائل الجناية والعدوان، وحتى إذا بدر منهم ما يدلّ على عدالتهم، فهو مجرّد تمويه وسلوك عرضيّ للوصول إلى غايتهم المنشودة ومآربهم الخفية.
وهؤلاء هم السلاطين الذين يسعون وراء مصالحهم الشخصية، ضاربين عرض الحائط بجميع المصالح الإنسانية للمجتمع، كابحين جماح التطلّع للعيش السليم لدى الجماهير، صيانةً لمنافعهم غير المشروعة.
يقولون ما لا يفعلون
فعلى سبيل المثال، في مجتمعنا هذا، البعض يقول: نحن أتباع الدين الإسلامي، ولا نريد الميل إلى الأفكار الخارجية المرفوضة، مع أنّهم في الوقت نفسه يطبّقون القوانين الغربية في بلادهم.
نحن لسنا ضدّ التقدّم والتطوّر، ولكن ضمن حدود القوانين الإسلامية، والرسالة السماوية السّمحة؛ فالعقل والشرع لا يمنعان الاستفادة من التقدّم، ولو من أهل الكفر والفسوق، فقد نُقل عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «الحكمة ضالّة المؤمن، فليتّخذها ولو من أفواه المشركين».
ولكن ذلك ضمن ضوابط وأطر معيّنة، حيث وضع الإسلام شروطاً واضحة لا يمكن تجاوزها، ولا يمكن تعليق الأمل على هؤلاء في إصلاح حال المجتمع، وحلّ الكثير من قضايا المسلمين المستعصية على بعض القوى المهيمنة على مقدّرات الشعوب الإسلامية وطموحاتها.
المعرفة بالإنسان طريق الإصلاح
أمّا الفئة الثانية من تلكم الأنظمة والسلطات، فهي فئة غير كاذبة، ولكنّها لم تأتِ بما كان كافياً لتحقيق أهدافها، وهم بعض المصلحين، أو الذين ادّعوا الإصلاح، فهم - رغم طرحهم الصادق في الغالب لدعواهم وأهدافهم - إلا أنّهم لم يستطيعوا تحقيق أهدافهم في خدمة المجتمع البشري وتلبية حاجاته المادية والمعنوية، وذلك لأنّهم لم يعرفوا حقيقة المتطلّبات والحاجات الفطرية والروحية لهذا الإنسان، حيث إنّهم – غالباً – يبحثون جانباً واحداً من هذه الحاجات، ويقصرون على تلبية الجانب المادي للإنسان، ويتركون الجوانب الأصلية والأساسية، وهذا يتسبّب في إيجاد فراغ كبير في نفوسهم لا يسدّه شيء.
ومردّ هذا القصور أنّهم لم يأخذوا بتعاليم الإسلام كاملةً لحلّ مشاكل المجتمع البشري. ولا فرق في ذلك بين المجتمع القديم والمجتمع الحديث، إلا أنّ مجتمعنا اليوم أصبح لديه نظرة واسعة، وبات أكثر تفهّماً وتقبّلاً نحو الإصلاح.
أمّا المجتمع الجاهل، فإنّه - رغم جهله الشديد - استطاع خاتم الأنبياء والمرسلين (صلّى الله عليه وآله) أن يأخذ بالإنسانية ويوصلها إلى الصراط القويم، رغم الآلام والمصاعب التي تعرّض لها من المجتمع، فضلاً عن الأذى والمشاكل التي كان يواجهها من الأعداء.
اضافةتعليق
التعليقات