نعيش في زمن الغالب فيه الحيرة وانتشار الفِتن بانتشار الحركات، فكيف نقاوم هذا الزمن ونثبت في الطريق الصحيح؛ في دعاء زمن الغيبة نقرأ: "اللهم عرفني حجتك فإنك لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني"، وفي حديث يقول الرسول الأعظم محمد –صلى الله عليه وآله وسلم - : "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"،هذا يعني إن معرفة الحُجة المعرفة الحقة تقي من الضلال، لكن كيف لنا أن نعرفه المعرفة الحقة؟ وما السبيل لذلك؟.
إن كنا فعلاً نبغي معرفته واتباعه فعلينا أن نسعى أولاً لتهذيب النفس و معرفة مقامه العظيم الذي تعجز الأفهام عن كنه معرفته، كيف ومولانا الصادق عليه السلام يقول: "لو أدركته لخدمته أيام حياتي" يالهذه العظمة التي لا يسعنا فهمها؛ فهذا المولى الصادق سيد الفقهاء، جده الامام المعصوم يتمنى خدمته، فما يجب أن نُقدم نحن البسطاء.
- الامام المهدي صلوات الله عليه في القرآن الكريم:
تحدث القرآن الكريم عن يوم المهدي صلوات الله وسلامه عليه ووعد الله تعالى في كثير من الآيات التي جاءت بهذا السياق منها:
سورة الحمد: افتتح القرآن الكريم بذكر يوم المهدي فذكر في أم الكتاب في قوله تعالى: "مالك يوم الدين" فيوم الدين هو يوم المهدي عليه السلام وقد ذكر بآيات متعددة ففي قوله تعالى: "والذين يُصدقون بيوم الدين" قال الإمام الباقر عليه السلام: يعني بخروج القائم. فهو يوم ظهور المهدي (عج) وانتشار عدله وهو يوم تطبيق الدين وظهوره في العالم كما قال تعالى :"وإنّ الدِينَ لواقع". تفسير البرهان
يوم المهدي (عج) يوم الفتح
سورة النصر: نزلت سورة النصر وهي آخر سورة نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم :"إذا جاء نصر الله والفتح" وفي آية أخرى يقول تعالى: "نصرٌ من الله وفتحٌ قريب" قال الامام الباقر عليه السلام: يعني في الدنيا بفتح القائم. المحجة للبحراني.
الامام المهدي الساعة
من الألفاظ القرآنية التي لها صلة وإشارة للإمام المهدي عليه السلام لفظ الساعة، استخدمت هذه اللفظة في ظاهرها ليوم القيامة وفي معنى آخر إلى ساعة ظهور المهدي عج ففي قوله تعالى:"حتى إذا رأوا ما يُوعدون إمّا العذاب وإما الساعة" ورد في الكافي عن الإمام الصادق قال: مايوعدون فهو خروج القائم وهو الساعة.
وآيات كثيرة غيرها لايسع ذكرها جميعها.
- ما تأثير وجود الإمام عج وهو غائب عن الانظار
يقول المولى المهدي عج: "أما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمانٌ لأهل الأرض كما أن النجوم أمانٌ لأهل السماء..".
الشمس في القرآن الكريم على نحوين:
1-الشمس المادية في السماء التي هي من أسباب بقاء الحياة في الأرض.
2-الشمس المعنوية، وهم الأنبياء والأوصياء ومن الأوصياء الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه
وهذا المعنى جاءت به الروايات الطاهرة مثل قول الإمام الصادق عليه السلام: الشمس رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في تأويله لقوله تعالى: "والشمس وضحاها" و "والقمر إذا تلاها" وهو أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه. تفسير الصافي.
ويظهر هذا المعنى أيضاً في قصة يوسف ظهوراً بيناً غير قابل للإنكار، وذلك حينما رأى في منامه الشمس والقمر يسجدان له، فكان تأويل الشمس هو سجود النبي يعقوب عليه السلام له.
فتشبيه الامام المهدي عليه السلام بالشمس حقيقياً وليس مجازياً، لأنه من جملة الاستعمالات الحقيقية في القرآن الكريم، وبما إن الشمس المادية تُعد من أكبر مصادر الطاقة التي تعتمد عليها حياتنا، عليه يتبين أن الامام المهدي عليه السلام مركز الطاقة المعرفية والروحية وأكبر مصادرها العملاقة التي تسع الوجود كله بإذن الله تعالى وإن كنا لا نشعر بذلك كما لا نشعر كيف تستفيد عظام الانسان من أشعة الشمس. بل كيف تستفيد أبداننا من أشعة الشمس وحرارتها دون أن نشعر بلحظات الاستفادة بل بالكاد أن يلتفت إلى ذلك أحد.
فهكذا أمر المهدي عليه الف الصلاة والسلام فإنه يؤثر على النفوس بطاقة معرفية وروحية؛ فجميع منائح العطاء منه عليه السلام وإن جهل الإنسان بذلك كما يجهل الطفل الصغير دور الشمس في نموه، وهذا وجه تشبيه الإمام المهدي بالشمس في الروايات.
ومن أسباب تيه الأمة هو التخاذل والتنصل والتفرد، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة الله ولكن الله سيعمي خلقه منها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم".
فقد علق الامام عليه السلام سبب الغيبة على ظلم الناس وإسرافهم وزهدهم في الدين، فإن نتيجة ابتعاد الأمة عن الدين أنه ستصاب بالعمى أي عمى القلب والعقل.
إذن لا بد من العلم والمعرفة والإحساس والقيام بالمسؤولية اتجاه الإمام.. قال الإمام العسكري عليه السلام: "ان شيعتنا الذين يتبعوننا ويطيعون جميع أوامرنا ونواهينا، ومن خالفنا في كثير مما فرضه الله عليه فليسوا من شيعتنا إنما هم من موالينا ومحبينا".
هنا الإمام يقرر قاعدة وفق العدل الالهي وهي أن الذين يطيعون الأئمة عليهم السلام في تعاليمهم هم شيعة، وإلا فإنهم موالي دون الشيعة في الدرجة، والموالي قد لايكون مؤهل للخروج مع الإمام المهدي (عج).
وهذه النتيجة مؤلمة لمن كان حياً لديه المعرفة والشعور، وأما الذي لا يتألم لذلك فإنه خارج عن مقتضى الطبيعة الأصلية وقد أصيب بعدوى (العادات السيئة)، وهذا كله يحتاج إلى إعادة نظر والرجوع إلى الطريقة الصحيحة وفهم التشيع فهماً منطقياً قائماً على أسس العدل الالهي، وأن يعمل الانسان على اعادة صياغة انتمائه من جديد، كي يولد من جديد بشعورٍ راق ومعرفة متألقة وروح تأييد يحصل عليها من متابعته للمعصوم.
ولتقوية الشعور أو لتقوية الارتباط بالامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف نحتاج إلى ممارسة الإحسان وتفعيل الطاعات وهجران المعاصي..
ولكي نوفق في علاقتنا مع مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ونصل القمة في ارتباطنا معه لا بدَ لنا من التسليم المطلق للمعصوم صلوات الله عليه، وقد امتازت مولاتنا السيدة نرجس عليها السلام بهذا التسليم فحصلت على منزلة عظيمة لأن تسليمها أوصلها لطاعة منقطعة النظير فتفوقت في علمها ورشدها ومعرفتها وتسليمها ودقة ملاحظتها ورعايتها للأدب المثالي فإذا نظرنا إلى أوصافها في زيارتها الموجودة في مفاتيح الجنان لتبينت عظمتها وارتقاءها ففي الزيارة نخاطبها بـ: (الصديقة، المرضية، التقية، النقية، الرضية، المرضية).
وإنها قدمت هوى الأئمة عليهم السلام على هواها كما في الزيارة (مؤثرة هواهم) أي إنها ألغت الأنا في داخلها وأوجدت محله هوى الأئمة عليهم السلام وهذا من أسرار نجاحها وتقدمها.
إن هذه المشاعر والأحاسيس وهذا التسليم والخضوع وهذا الأدب والخشوع تميزت به السيدة مليكة فكانت مليكة الدنيا والآخرة.
فعلينا إذاً كي ننجح في وصال الإمام أن نرجع أطفالاً في علاقتنا مع الإمام المهدي عليه السلام نقبل منه كل شيء بلا أدنى سؤال أو تفكر.
في بصائر الدرجات عن الصادق عليه السلام قال: والله لو آمنوا بالله وحده وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لكانوا بذلك مشركين ثم تلا هذه الآية: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا".
نلاحظ كيف ان العبادات لاتنفع من دون التسليم القلبي والخضوع الكامل للمعصوم وهو قوله تعالى: "لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا" فعليك أن تنقاد بلا كيف ولماذا وعلام ووو .. فحينئذٍ يكون الفرد مؤمناً حقاً. فالإيمان تمثل بالعترة الطاهرة.
اضافةتعليق
التعليقات