كتلك الكلمات المظلمة وكهدوء المقابر في عتمة الليل هكذا كانت تخيلاتي قبل أن يمضي كل هذا كضربة ريح، أعذر الغرباء والراحلين وإن أشعلوا نيران صدري أو أوصدوا أبواب ذاتي بينما قد لا أغفر للأقرباء بقدر حبة القمح على ماوجهوه نحوي من رماح السم التي التفت حول ألسنتهم.
أجلس في حجر زاوية تحتضن جزء من النافذة وكتاب يتكئ على كفي بينما أنا أرقب الأيام واللحظات وهي تخطوا خلالي بتثاقل وكل خطوة لها تتعثر تاركة أثر كلمة أو إستهزاء بي لتتأرجح الأفكار برأسي ذهابا وإيابا كريح تهز الأغصان هكذا تهزني وتقيد جناحي بينما تقابلني الشمس ويصد الزجاج انعكاسها ويطفئ نورها عيني لينير جوفي وكأنما شيطان ما كان يبتلع الصواب من أدمغة الناس ليظلهم.
يجلسون بحلقات ليتناولوا الناس دراجا كتناول السكاكر وكل سكرة تدخل فمهم تخرج احجية ليتفنن الآخرون بحلها أو زيادتها وكأنما الشخص منهم خالي من العيوب ليثقب رداء غيره ودون انتباه منه سيدرك أن آخره بلا رداء فكل سيئة تابعتها سرب من السيئات تلتف حول الأعناق إن كان الذكر للسوء لا لمنفعة فيه فيصبح كومة من الأحجار في طريق صاحبه دون إدراك منا بما نفعله وكأن طعم هذه السكاكر مختلف فلا تشبع ألسنتكم أو أنيابكم من لذتها متناسين أن اللسان أعظم وأنفع جارحة عند الانسان ولكنها أخطرها واكثرها ثأثيرا في هلاك الإنسان.
عن الامام علي (عليه السلام): (إياك وفضول الكلام فإنه يظهر من عيوبك ما بطن ويحرك عليك من اعدائك ماسكن).
لاتنفع المعذرة ولايرد المستباح وتلك السهام تخرج ولابد لها من إصابة فاحذروا جيدا قبل أن تطلقوا أي سهم فليس كل ماقيل حقيقة ولاكل الكلمات صادقة بعضها حملت معها من أرجاء المدينة حروف كثيرة لتصبح حكاية وأخرى حملت معها شر عظيم يتربص بشخص طاهر.
ومن أراد أن يسلم من سوء اللسان فلا بد له ألا يتكلم إلا لينفع بكلامه نفسه أو غيره، أو ليدفع ضراً عنه أو عن غيره، وأن يتخير الوقت المناسب للكلام، وكما قيل لكل مقام مقال، وأن يقتصر من الكلام على ما يحقق الغاية أو الهدف، وحسبما يحتاج إليه الموقف، ومن لم يترتب على كلامه جلب نفع أو دفع ضر فلا خير في كلامه، ومن لم يقتصر من الكلام على قدر الحاجة، كان تطويله مملًا، فالكلام الجيد وسط بين تقصير مخل وتطويل ممل، ولابد للإنسان من تخير كلامه وألفاظه، فكلامه عنوان على عقله وأدبه، وكما قيل يستدل على عقل الرجل بكلامه، وعلى أصله بفعله، ويجب ألا يتكلم بفحش أو بذاءة أو قبح، ولا ينطق إلا بخير، ولا يستمع إلى بذيء.
تمر الأحاديث عبرنا كمرور الرياح وخفتها وما علينا سوى مداراتها وتركها تذهب دون أن نعلق بعضها في الذاكرة لنطلقها فقط للتسلية أو لملئ فراغ أو لجذب الانتباه، إن كان لديك الفراغ وأحببت ان تملأه فلتملأه بشيء مفيد كأن يكون كتاب نافع يرفع من قدرك بدل أن تجلس فارغ الرأس لتداول أحاديث مضرة أو لتجعله وقت ذكر وليكن إن لم ترغب بالقراءة إجعلها جلسة محبة وود واطرح بها كل الخير وثق لاخير بسوء الكلام، ومايضر منه واجعل ما يخرج من القلب يدخل القلب والذي يخرج من اللسان لم يتجاوز الآذان وليس من شيء أطيب من اللسان والقلب إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا، قال الله سبحانه وتعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً).
قد يكون اللسانُ حجّةً للمرءِ وسبباً في الفوز بمرضاة الله إذا استَخدمه في طاعة الله سبحانه وتعالى والذكر وقِراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر.
اضافةتعليق
التعليقات