لطالما اعتُبر الفن وسيلة للتعبير عن الجمال والمشاعر، لكنه في أحيان كثيرة كان أداة حاسمة في تشكيل الرأي العام، والتأثير في القرار السياسي، وحتى إشعال الثورات. اللوحة ليست فقط مجموعة من الألوان الممزوجة على قماش، بل يمكن أن تكون صرخة احتجاج، أو صوت شعب، أو وثيقة تاريخية خالدة تعكس موقفاً سياسياً أو أزمة إنسانية.
أحد أبرز الأمثلة على ذلك هي لوحة “غرنيكا” للفنان الإسباني بابلو بيكاسو، والتي رسمها عام 1937 كردّ على القصف الوحشي الذي تعرّضت له بلدة “غرنيكا” الإسبانية من قبل الطيران النازي، خلال الحرب الأهلية الإسبانية. هذه اللوحة الضخمة، التي تمزج بين الرعب والدمار والمعاناة، أصبحت رمزًا عالميًا ضد الحروب، وتم حظر عرضها لفترة طويلة في إسبانيا تحت حكم فرانكو. حتى اليوم، تُستخدم “غرنيكا” في المظاهرات والفعاليات المناهضة للحروب كرسالة بصرية قوية لا يمكن تجاهلها.
أما في العالم العربي، فقد كانت رسوم الكاريكاتير السياسي وسيلة فعّالة لإيصال رسائل صادمة، ولكن ذكية، تحت سقف أنظمة تقمع حرية التعبير. الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، على سبيل المثال، استخدم شخصية “حنظلة” كرمز للمقاومة والهوية، ولا تزال هذه الشخصية شاهدة على نكبة فلسطين ومعاناة شعبها.
حتى اليوم، لا تزال اللوحات والرسوم التوضيحية وسيلة قوية للتأثير السياسي. في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للوحة رقمية تعبّر عن مأساة ما، أن تنتشر في غضون ساعات وتُحدث تأثيراً يتجاوز الحدود، كما حدث في رسم الطفل السوري الغريق “إيلان كردي”، الذي هزّ ضمائر العالم وحرّك النقاشات السياسية حول قضية اللاجئين.
العبرة: الفن ليس رفاهية كما يُظن، بل هو شكل من أشكال المقاومة والصمود والتعبير، قد يكون أكثر تأثيراً من آلاف الكلمات. كل لون، كل خط، وكل فكرة مرسومة قد تحمل قضية، صوت، أو حتى ثورة. يجب أن نُعيد النظر في الفن، لا كشيء يُعلّق على الجدران فحسب، بل كقوة قادرة على تحريك الضمائر وتغيير السياسات.
حين ننظر إلى لوحة، لنسأل أنفسنا: هل نراها فقط؟ أم نسمع ما تحاول أن تقوله؟
اضافةتعليق
التعليقات