الأم كما تعرّفها المجتمعات كافة هي رمز التضحية والحنان. هي القدوة والمثل الصالح، ويد المحبّة التي تدفع الأولاد للتقدّم بثقة وأمان في دروب الحياة. ولكن ماذا يحصل عندما تفقد الأم معايير الأمومة التي تجعل منها مربّية صالحة؟
منذ اللحظة التي يتكوّن فيها الطفل في رحم أمه تبدأ علاقته الوثيقة بها. هذه العلاقة التي تتوطّد بعد أن يبصر النور ثم تتطوّر مع تطوّر نموّه، تشكّل عاملًا أساسيًا في رسم شخصيته المستقبلية وتحديد سلوكه الذي سيرافقه طوال سنوات عمره. لذلك فإن فشل الأم في بناء علاقة سليمة مع طفلها يؤدي إلى فشله اجتماعيًا في المستقبل، وإلى اضطرابات نفسية قد تقوده إلى أخطاء سلوكية لا يمكن معالجة نتائجها.
وغالباً ما تهمش الأم تأثير سلوكياتها على بناء الطفلِ النفسي، فينشأ متضعضعاً غير واثق في نفسه، أو ناقماً في وقتٍ ما من عمره على ما تلقاه من سلوكيات تربوية تركت أثرها النفسي مدفوناً في أعماقه!
أنماط الأم السامة:
الانتقاد المستمر
يظهر ذلك في انتقادها المستمر لكل ما يفعله الأبناء، والتقليل/التسفيه من جهودهم وعدم توجيه أي مديح. فيجد الأبناء أنفسهم دائما في حلقة لا نهائية من المحاولات لاستجلاب رضاها ومحبتها واهتمامها، لكن أيًّا كان الجهد الذي يبذلونه فهو دائما غير كافٍ لمقاربة معاييرها المثالية. هذا الشعور بالرفض يترك في الصدر فجوة لا تندمل، فالشعور بالرفض من جانب الأم يخلف شعورا كثيفا بعدم الاستحقاق.
السيطرة
ترفض الأم المسيطرة الاعتراف بأحقية أبنائها في اتخاذ قراراتهم بمفردهم، وترفض الاعتراف بصحة ما يقولونه أو يفعلونه، فتزرع فيهم شعورا عميقا بالعجز. ورغم أن هذا السلوك يصدر دائما تحت ستار "مصلحة الأبناء"، فإنه يرسّخ رسالة مفادها أنهم عاجزون، وغير قادرين على التمييز والحكم بمفردهم دون توجيهاتها، وقد يكبرون ويتخذون مناصب قوية وقيادية بينما تظل الأم تتدخل في تصرفاتهم وطريقة تعاملهم، بل وحتى اختيارات ملابسهم، وتمنح نفسها الحق في إبداء رأيها كخبيرة في كل مناحي حياتهم.
فخاخ الشعور بالذنب
تتعمد الأم في هذه الحالة إشعار أبنائها بالذنب، وابتزازهم، وإلقاء اللوم عليهم وإشعارهم بأن تصرفاتها المؤذية هي نتيجة ﻷخطائهم، ولأنها تعرفهم جيدا، تكون قادرة على استثارة أوتارهم والتلاعب بهم وإيقاعهم في فخاخ الشعور بالذنب والسيطرة عليهم عبر تلك الفخاخ.
الإذلال والسخرية وعدم السماح بالتعبير عن المشاعر السلبية
ستوجه ﻷبنائها التعليقات السلبية وتسخر منهم أمام أصدقائهم أو أمام بقية أفراد العائلة، ستسفّه من آرائهم وتخبرهم أنها لا تهم أحدا، وقد يمتد هذا في عمر أكبر، لتُحرجهم أمام أبنائهم وأزواجهم/زوجاتهم دون اعتبار لتأثير ذلك عليهم. وعند مواجهتها تتهمهم بأنهم شديدو الحساسية ولا يجيدون تقبل المزاح/الدعابة.
يرتبط هذا بما سبق، فعندما يُعبِّر أحد الأبناء عن استيائه من الطريقة التي تُعامله بها، يتدفق غضبها، أو تعاقبه، وتنتقده لمجرد شعوره بالاستياء، وهو ما يدفعه لإخفاء مشاعره وعدم التعبير عن أي مشاعر سلبية خوفا من غضبها.
العنف السلبي وعدم احترام الحدود الشخصية
لن تُعبِّر هذه الأم عن غضبها تجاهك بشكل مباشر، لكنه سيتجلّى في ظواهر أخرى، كالوصول متأخرة إلى حدث يهمك، أو تجاهلك، أو النكد بلا سبب واضح، وهو ما يترك الأبناء متخبّطين وحائرين حول سبب غضبها. كما أنها لا تحترم خصوصية أبنائها، فتقرأ رسائلهم الخاصة، تفتش أدراجهم وحقائبهم، تتدخل بينهم وبين شركائهم، تُحادث أصدقاءهم وزملاءهم في العمل دون علمهم، أو تدخل فجأة إلى الحمام لتعرض المساعدة دون استئذان. لا تعترف بوجود الحدود الشخصية ولا تحترمها.
الغياب
يحتاج الأبناء جميعا إلى أمهاتهم، وتتدرج هذه الحاجة بتدرج مراحل النمو. تتنوع مظاهر الغياب أو الانفصال الشعوري عن الأبناء، ما بين عدم الاستجابة لاحتياجاتهم أو بكائهم أو فقدان التواصل الجسدي، أو حتى الغياب الفعلي والهجر.
الانغماس أو الارتباط الزائد
على عكس النمط السابق، فهذا النوع ينغمس كلية في حياة أبنائه، ولا يعترف بوجود أي نوع من الحدود بينهم. فالحب الأمومي هنا يستغل الحاجة الطبيعية لدى الأبناء إلى المحبة والاهتمام لكي يُحكِم قبضته حولهم، وهو النموذج المثالي للأم الدرامية التي تعيش حياتها من خلال إنجازات أبنائها، فتعوّض فشلها من خلالهم، سواء كان هذا الفشل على مستوى العمل أو على مستوى علاقتها مع الأب.
الأم التنافسية
يُوصف هذا التفاعل باعتباره حربا مفتوحة بين الأم وأبنائها، فتظهر في سلوكياتها الغيرة أو التنافس مع الأبناء، وقد تستخدم الإيذاء العاطفي أو اللفظي وأحيانا الجسدي للفوز، وهو ما يدفع الأبناء في أحيان كثيرة للشعور بالذنب. ويبرز هذا النمط بشكل أوضح في علاقة الأم مع بناتها أكثر منه في علاقتها مع أبنائها الذكور.
الأدوار المعكوسة
في هذا السيناريو تنعكس الأدوار وتطلب الأم من أبنائها رعايتها عاطفيا أو لعب دور الأم لها، وهو ما يُشعر الأبناء بأن طفولتهم "سُرقت". يشيع هذا أيضا في حالة الأمهات اللاتي يعانين من الاكتئاب المزمن أو إدمان الكحول، هؤلاء الأمهات يحبون أبناءهن لكنهن يفتقرن إلى القدرة على العناية بهم.
تزييف الحقائق
بينما يبدأ الأطفال في سن صغيرة في تعلم الثقة في مشاعرهم وأفكارهم، يأتي هذا السلوك كالمنجل الذي يقتص ثقتهم بأنفسهم من جذورها، ويدمر كل جهودهم.
ممن تنشأ هذه العلاقة السامة؟
تحمّل بعض الأمهات أبناءهن المسؤولية في أي تأخير في حياتهن العملية، تسبب تلك المشكلة أزمة حقيقية للأم الطموحة، فطبيعة الأمومة قد تعرقل الانطلاق خصوصًا لدى الأمهات اللاتي يفتقدن المرونة ومع وضع المجتمع المسؤولية الكاملة على الأم دون الأب، هنا يتجسد في الأبناء العائق الذي منعها، فتحاول الأم تحقيق كل ما لم تستطع أن تكونه في أبنائها.
بعض الأمهات يحاولن الانتقام من الأزواج في أبنائهن فيتعاملن مع الأبناء على أنهم أصدقاء يحاولن ضمهم لصفهن دون الأب.
قد تقوم بعض الأمهات بتلك الأفعال دون تعمد، لكن بالطبع تأثير تلك الأفعال يكون قويًّا على الأبناء ويؤثر بشكل مباشر على صحتهم النفسية وتكوين شخصياتهم.
للنجاة من أثر هذه العلاقة تجاه الأبناء:
1- ابتعدي عن النقد السلبي المستمر، وادعميهم بالقول الحسن.
2- استخدمي التقويم والشدة بحكمة دون مبالغة في التوبيخ، وبالأخص أمام الغرباء.
3- ناديهم بأسمائهم وألقابهم المفضلة.
4- اتركي لهم مساحة من الحرية الشخصية والخصوصية.
5- شاركيهم أخذ القرارات وشجعيهم على إبداء آرائهم مهما كانت بسيطة.
6- أكثري على مسامعهم كلمات الحب والتعاطف؛ لما تحمله من أثر عظيم في صحتهم النفسية.
7- ابتعدي عن الأسئلة التي لا نِهاية لها، مثل أسئلة التحقيق.
8- عدم مقارنة ابنك بأحد، كذلك السخرية منه أو مضايقته.
9- استمعي إلى ابنك، خاصة إن كان مراهقاً أكثرَ من التحدّث إليه.
10- عدم استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للتجسس عليهم.
11- قدّري مواهب طفلك على اختلاف أنواعها، سواء كانت في الرسم أو الموسيقى أو النجارة أو الرياضة.. إلخ، وتجنبي التركيز فقط على التفوق الأكاديمي.
12- تجنبي الإلحاح عليه أن يفعل شيئاً معيناً، لأن هذا فقط سيدفعه بعيداً عما تريدينه أن يفعل، دعي طفلك يقرر بنفسه ماذا يفعل، وأن يتحمل نتيجة أفعاله.
اضافةتعليق
التعليقات