بينما أراقب مواقف الحياة يوميًا، تذكرت قولًا لطالما كانت تردده والدتي في بعض المواقف: "الخنفساء شاده رجلها وتركض وي الخيل" كنت أشاهد البعض يحاولون جاهدين مواكبة وتيرة سريعة في مشاريع معينة، رغم أنه لم يكن لديهم الأدوات أو الخبرة اللازمة، ورغم كلّ الجهود، كان واضحًا أنهم يعانون ويصارعون للظهور بمظهر القادرين على مجاراة الآخرين.
عندها عادت إلى ذهني كلمات والدتي التي كانت تقولها حينما ترى تصرفات مماثلة، وكيف كانت الحكمة في هذه العبارة تلخص الكثير من المواقف التي نواجهها في الحياة، كما أنني بدأت أفكر في تلك الصورة الطريفة التي تنقلها الكلمات: خنفساء صغيرة، وهي تحاول بكل طاقتها الركض إلى جانب خيل قوي وسريع، المشهد ليس مجرد تصوير ساخر، بل يحمل في طياته معاني أعمق عن التظاهر والقدرة الحقيقية، وعن الفرق بين الطموح الواقعي والوهم الذي قد يُعيق تقدمنا.
كلمات والدتي كانت تعبر عن تلك الحالة التي نرى فيها أشخاصًا يسعون جاهدين لإثبات قدرتهم على مجاراة الآخرين، رغم أن ظروفهم أو إمكانياتهم قد تكون غير مناسبة أو غير مكتملة ومع ذلك، يظل التظاهر بأنهم قادرون على مواصلة السباق هو الخيار الذي يتخذونه، تمامًا مثل الخنفساء التي تحاول الركض مع الخيل.
هذا المشهد يعكس واقعًا نشهده كثيرًا، خاصة في عصرنا الحالي، حيث يواجه الناس ضغطًا مستمرًا للظهور بمظهر المتفوقين والقادرين على تحقيق ما يحققه الآخرون لكن الحقيقة هي أن التظاهر دون وجود أساس قوي لا يمكن أن يدوم، قد يجد الشخص نفسه في موقف أكثر إحراجًا عندما يكتشف الآخرون محدودية قدراته أو جهله بجوانب مهمة من العمل الذي يحاول إنجازه.
أن أحد أعظم الدروس التي تعلمتها من والدتي هو أن التواضع لا يعني الاستسلام أو الاعتراف بالفشل، بل هو الاعتراف الصادق بقدراتنا وحدودنا والعمل على تحسينها، التظاهر بالقدرة على تحقيق شيء يفوق إمكانياتنا قد يوقعنا في مواقف صعبة، بينما الاعتراف بحدودنا هو الخطوة الأولى لتطوير أنفسنا والسير نحو النجاح بثقة وثبات.
بدلاً من محاولة الركض مع الخيل، علينا التركيز على امكانياتنا أولاً، سواء كانت تتعلق بالمعرفة، الخبرة، أو المهارات فمن يسعى لتطوير ذاته بصدق سيجد أن الفرصة للركض مع "الخيل" ستأتي في الوقت المناسب، ولكن بعد أن يكون مستعدًا تمامًا.
إن الحكمة التي تكمن في قول والدتي تتلخص في أن النجاح الحقيقي لا يأتي من التظاهر أو محاولة مجاراة الآخرين بلا أساس بل يأتي من الاعتراف بحدودنا والعمل على تحسينها بصدق حينها فقط، سنتمكن من التقدم بثبات وثقة، لا كمجرد خنفساء تحاول مجاراة الخيل، بل كأشخاص أدركوا حقيقة إمكانياتهم وعملوا على تعزيزها.
إذا ركضت مع الخيل وانت خنفساء سيدرك المجتمع حقيقتك وينفرونك شيئًا فشيئًا اعرف قدر نفسك قبل أن تقحم نفسك في مكان ليس بمكانك، أن لله منحنا ميزات جمة علينا أن نستثمرها ومنها معرفة النفس، ومما جاء في قول الامام علي (عليه السلام): "أفضل العقل معرفة الإنسان نفسه، فمن عرف نفسه عقل، ومن جهلها ضل"، وعن الإمام الرضا (عليه السلام): "أفضل العقل معرفة الإنسان نفسه".
اضافةتعليق
التعليقات