إقامة الحكومة الإسلامية الواحدة هو الحلم الذي كان يرفرف على أذهان جماهير الأمة الإسلامية على مدى التاريخ، وهو الهدف السامي العظيم الذي أريق على مذبحه دماء ملايين الشهداء في البلاد الإسلامية وغيرها، وإقامة الحكومة الإسلامية الواحدة هو الشبح الذي أرّق ليل الجبابرة، وجعلهم يجندون كل طاقاتهم للحؤول بين المسلمين وبين هذا الهدف، فما هي الأسس والمقومات التي تقوم عليها هذه الحكومة؟ وكيف يجب العمل لإقامتها؟
يجب علينا أن نعيد الحكومة الإسلامية الواحدة التي أسسها رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فقد ذكر المؤرخون أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – استطاع في زمان حياته الشريفة أن يوحد بين حكومات الجزيرة العربية (مكة، يثرب، والطائف) وما أشبه، ثم اليمنين والبحرين وأخيراً الكويت والخليج.
إن هذه الحدود الجغرافية الحالية هي حدود مصطنعة كوّنها الجهل الداخلي والاستعمار الخارجي.
إذن من الضروري أن تتظافر الجهود لأجل إسقاط هذه الحدود وهذه القوانين المصطنعة، التي تفرق المسلمين بعضهم عن بعض، حتى تتوحد بلاد الإسلام كما كانت، فيكوّن الألف مليون مسلم لأنفسهم حكومة واحدة. وليس هذا أمراً مستغرباً، ففي الصين الشيوعية كانت هناك – سابقاً – حكومات عديدة، لكنها تمكنت – وتحت قوانين وضعية – أن توحد بلادها في دولة واحدة ذات ألف مليون نسمة.
أما نحن فنريد توحيد البلاد الإسلامية تحت ظل القوانين الإلهية حتى تكون بلداً واحداً.
الأمة: بين المأساة والعلاج
يبلغ عدد المسلمين – حسب بعض الإحصاءات – ألف مليون، لكنهم مبعثرون جغرافياً وإقليمياً ولغوياً، ويعيشون تحت سيطرة الاستعمار والاستغلال. أما قوانينهم فقد أصبحت وضعية بعد ما كانت إلهية، وإنما أصابهم هذا التبعض والتشتت لعدم اتخاذهم الإسلام منهجاً عملياً في الحياة، وقد صدق الله سبحانه وتعالى حيث قال: "ومَنْ أعرضَ عن ذكري فإنّ له معيشةً ضنكاً".
إن الاصطدام بسلسلة من المشاكل هو النتيجة الطبيعية للذين يعرضون عن ذكر الله ولا يطيعون أوامره في الدنيا، وفي الآخرة الخسران المبين، وقد رأينا قصة المسلمين في الدنيا بأم أعيننا، فالمسلمون قد تشتتوا وتفرقوا وصاروا طرائق قدداً، ونصبت الحدود المصطنعة بين بلادهم، فبينما كان المسلم أخ المسلم أصبح عدواً له، وها هم المسلمون متأخرون في كل مكان، ثقافياً وساسياً واقتصادياً.
يجب أن تكون البلاد الإسلامية موحدة، والوحدة الإسلامية لا تتحقق في الواقع الخارجي إلا بعد شعور وحدوي في أعماق نفوس المسلمين، فالأمة واحدة والرب واحد والكتاب واحد والنبي واحد والشريعة الإسلامية قائمة على الكتاب والسنة، وعلينا أن نتبعها حق الإتباع، وليس الإسلام منحصراً في الصلاة والصيام وتعمير المسجد وما أشبه فقط، بل هذه أجزاء من الإسلام.
ولإقامة حكومة ألف مليون مسلم، فهذا لا يكون إلا بإزالة الحدود الجغرافية واللغوية والقومية بعد أن تزال الحواجز النفسية، لأن هذه الحدود والفواصل الخارجية منبعثة في الحقيقة عن الحدود والحواجز النفسية.
إن التوعية والتثقيف لألف مليون مسلم هي إحدى الأسس الرئيسية في تحقيق حكومة الألف مليون مسلم، ولأهمية الوعي والرشد الفكري نجد الله سبحانه وتعالى يقول: "إن إبراهيم كان أُمة" فالله تعالى يعتبر إبراهيم عليه السلام أمة، والسبب هو رشده الفكري كما قال تعالى: "ولقد آتينا إبراهيم رُشدَهُ".
ولبناء الشخصية الإسلامية ثقافياً نمر بمرحلتين طبيعيتين هما: الهدم أولاً.. والبناء ثانياً.. فالمرحلة الأولى هي تحطيم الثقافات الاستعمارية الغازية، وهدم البنى الفكرية المستوردة.
وهذا يعني معرفة الأمراض الكامنة في جسد الأمة الإسلامية، ومعرفة كيفية تحقق الهيمنة الاستعمارية علينا، وذلك لأن الإنسان ما لم يعرف المرض لا يستطيع معرفة العلاج، وكذلك علينا معرفة أسباب تخلفنا، وعلل استعمارنا واستغلالنا وعوامل سيطرة الديكتاتوريين والعملاء علينا، وأسباب تبعض المسلمين وتشتتهم إلى دويلات متناحرة؟ ولمعرفة الحلول والأجوبة علينا أن نعرف السياسة الإسلامية، كيف هي وكيف تطبق في الظروف الحاضرة؟
إن الاقتصار على تثقيف المسلمين المتواجدين في بلاد الإسلام فقط بالثقافة الإسلامية يؤدي إلى تحجيم الحركة الإسلامية وعدم توسعها، ومن هنا فإن من الضروري نشر الوعي الإسلامي المتكامل في البلاد الأجنبية أيضاً.
الثقافة هي التي ترسم للأجيال مسيرتها، وهي التي تحدد طريقة تعامل الأمة مع الأحداث والوقائع، وهي التي تعين مستقبل الأمة.
فالثقافة الإسلامية الأصيلة تجعل الأمة تسير سيراً متميزاً في الحياة، فكرياً، وعلمياً، ونظرياً، وسلوكياً.
اضافةتعليق
التعليقات