إن الحد هو الخط المجازي الذي ترسمه في الرمل ولا تسمح للآخر بتجاوزه فمساحتك هي المنطقة الواقعة ضمن هذا الخط، وإن قام أحد باقتحامها فإنك تفقد أعصابك ولا يعود بمقدورك التحكم بسلوكك ،ولذلك من المفيد أن ترسم الحدود قبل أن تفقد السيطرة على نفسك، وهذا هو ما يحتاجه الأطفال - ونحتاجه كلنا - هو الحب زائد الحدود، وليس أحدهما من دون الآخر .
فالحدود مهمة لأية علاقة، وأحد الأمثلة على مثل هذه الحدود هو أن تقول: "لا أسمح لك باللعب بمفاتيحي ثم تبعد المفاتيح ،يجب الإعلان عن الحد بهدوء وحزم، فعندما تفقد أعصابك، لن تتمتع بمثل هذا الاتزان والهدوء وربما تثير ردة فعلك الخوف عند الطفل عندما تسترد المفاتيح بعنف وتصرخ في وجهه.
ولكن عندما يأتي طفل طال انتظاره بعد عدد من الإجهاضات، أو يكون طفل أنابيب، أو حتى في ظروف مأساوية بعد وفاة طفل آخر ،إذ يمكن للحب أن يُعمي الوالدين بعد هذه المعجزة المفرحة بحيث لا يدركان حدودهما ويتعاملان مع الطفل بنوع من التقديس ، وفي غياب مثل هذه الحدود، لن يتعلم الطفل تمييز حدودكم وحدود الآخرين، وإن نشأ الطفل على هذه الحرية المطلقة فربما يتخطى حدود الثقة بالنفس إلى نوع من الاستيهام وخداع الذات.
التهديدات الفارغة ليست الحل
يجب أن تكون الحدود التي ترسمونها فعالة، لذلك تجنبوا إطلاق التهديدات الفارغة ، فقبل أن يدرك الطفل أن التهديد فارغ فإنه يشعر بالخوف الشديد ما يشتت تفكيره بدلاً من أن يساعده على احترام الآخرين، وحالما يعرف الطفل أن تهديداتكم فارغة فلن يأخذكم على محمل الجد بعد ذلك، لهذا، يجب أن تعنوا ما تقولونه، ولا تتراجعوا وتعيدوا المفاتيح إليه أو أي شيء كان ويمكن لذلك أن يؤدي إلى نوبة من الغضب، ولكن يمكنكم التعاطف مع غضبه حول المفاتيح والتمسك بها وبحدودكم في الوقت نفسه ، حتى مع الاطفال الرضع والصغار يمكن رسم الحدود من خلال حمل الطفل وإبعاده عن المكان الذي لا ترغبون وجوده فيه ويجب أن يتم هذا برعاية واحترام كبيرين فاحترام الطفل لا يعني إفساده بأي حال من الأحوال ،فحتى لو لم يكن الطفل قادراً على الكلام بعد، فإن نبرتكم الحنونة والحازمة وإبعاده جسدياً عما يفعله ستعلمه تدريجياً أنكم ترفضون ما يقوم به ،أو ربما تقولون شيئاً من قبيل: حملتك من الغرفة لأنه لا يمكنك إصدار ضجة بينما يُلقي أحد خطاباً.
ربما لا يفهم الطفل ما تقولونه له، لكنه سيتعلم على المستوى الفعلي ما هو لائق وما هو غير لائق ،وإذا كان الطفل يستخدم لوحة مفاتيح كسلاح، يمكنم أن تشرحوا وتقولوا له أن لوحات المفاتيح للعب وليس لضرب الآخرين أو رميهم بها ،ثم تقولون: إن لم تلعب بلوحة المفاتيح بدلاً من ضرب الآخرين بها، سوف أخذها منك .
وبعد ذلك، إذا أصر الطفل على سلوكه العدواني يجب أن تأخذوها منه ،تكلموا بهدوء ولطف وحزم، وافعلوا ما تقولون إنكم ستفعلونه وواظبوا على ذلك فالميزة الإيجابية في تجنب إطلاق التهديدات الفارغة، وإبعاد الطفل جسدياً، هي أنها تعلم الطفل كيف يأخذكم على محمل الجد، أي أنكم أشخاص تعنون ما تقولونه.
فمن الضروري أن ترسموا الحدود من خلال توصيف أنفسكم وليس من خلال توصيفه هو أو الدخول في حروب عقلانية تذكروا أنتم وأطفالكم في الصف نفسه، إذ إنكم ترغبون في سعادتكم وسعادتهم معاً، ولتحقيق هذا الهدف، عليكم أن تستمعوا إليهم وتتفهموا مشاعرهم وتحتووا غضبهم وتتعلموا متى تكونون حازمين عندما يقترب الطفل من الحدود المرسومة، أو عندما يكون في خطر، أو عندما تكون مخاوفكم حول سلامة الطفل أكبر مما يمكنكم احتماله ومتى تظهرون بعض التساهل والليونة ، إذ يمكنكم إبداء بعض المرونة.
على سبيل المثال، عندما لا ينطوي تبديل الخطط أو التوقعات على أي مخاطر مستقبلية، وعندما تبدون الحزم بهدف التظاهر فقط، وعندما تميلون إلى استغلال أطفالكم عوضاً عن التواصل معه ، ويصف الكاتب مشهد امامه انه سمع بعض الأطفال يلعبون في حديقة الجيران، كانت أصواتهم تتعالى أكثر فأكثر حتى بدوا وكأنهم على حافة الهستريا ،ثم سمع صوت امرأة تتحدث إليهم: "لم أعد أحتمل الضجة التي تثيرونها ،إما أن تلعبوا بهدوء أو عليكم الدخول إلى المنزل، أحب صوتها الحازم واللطيف وشعر بشيء من الأمان وكأنه أحد أولئك الأطفال الجامحين الذين تعوزهم الحدود، وبعد فترة قصيرة علت أصواتهم ثانية فخرجت وقالت بصوت أكثر حزماً: "حسناً، ادخلوا على الفور فدخلوا جميعاً، لأنهم يعرفون أنها كانت تعني ما تقوله"، هذا هو ما يقصد بالحدود لذلك عليكم أن تتعلموا كيف ترسمون الحدود عبر توصيف أنفسكم وليس أطفالكم .





اضافةتعليق
التعليقات