من يريد التغيير، فعليه أن يحدّد الهدف الذي يريد أن يصل إليه، فقد يكون الهدف هو تجديد حب الحياة، أو الصحة الجسدية، أو الانفتاح الروحي أو القرب إلى الله تعالى وهكذا.
ففي الحكمة : من عرف مستقره سعى إليه .
إن تحديد الهدف من أهم عوامل تغيير الذات، فبدون ذلك ستضيع حياة الإنسان وتهدر طاقاته بدون نتيجة مهمة... إنَّ بعض الناس يريدون أن يكونوا ويعملوا كل شيء بدون هدف واضح، وبالتالي فإنهم لا يصلون إلى شيء .
ومن القصص التي لها معنى كبير: إنَّ فتاة كانت تسير فوصلت إلى مفترق طرق واحتارت أي طريق تسلك فسألت مخلوقاً: أي الطرق أسلك؟ فأجابها قائلاً: أولاً حدّدي لي هدفك لأحدد لك الطريق، فإذا لم يكن لك هدف معين فاسلكي أي طريق تشائين.
جاءت امرأة بابنتها إلى الطبيب النفساني، فصارت تشكو ابنتها وأنها تنام حتى الظهر، فسأل الطبيب الفتاة: إذا كان عندك رحلة فأي ساعة تستيقظين؟ قالت: عند الصباح، فقال: لا بد أن تجعلي هدفاً لحياتك كل يوم حتى تستيقظي من أجله وإلا فحياتك لا قيمة لها .
ومن هنا نجد أن بعض العجائز يشكون الوحدة والإحباط واليأس.
لأنهم عاشوا كل حياتهم وما زالوا تائهين لا يدركون سر الحياة وهدر الوجود. يقول أحدهم: لا يوجد فراغ فى الحياة، فإذا لم يختر الإنسان ما يريده من الحياة، فإن الحياة ستختار له.
لذلك لا بد من تحديد الهدف، فهذا الزمن - الذي توسعت فيه العلوم والاختصاصات - هو زمن التخصص وكما يقول الإمام علي (عليه السلام): اجعل همك هماً واحدا..
وكما أن الشمس تحرق إذا اجتمعت أشعتها بواسطة الزجاج، كذلك الإنسان ينجح إذا حدد أهدافه، وإلا كانت طاقاته مبعثرة، ومن ثم لن يحقق أي شيء.
عن النبي محمد ﷺ : ما من يوم طلع فجره ولا ليلة غاب شفقها إلا وملكان يتجاوبان بأربعة أصوات: يقول أحدهما: يا ليت هذا الخلق لم يخلقوا ويقول الآخر يا ليتهم إذ خُلقوا علموا لما خُلقوا، فيقول الآخر: ويا ليتهم إذ لم يعلموا لما خُلقوا تجالسوا فتذاكروا ما علموا، فيقول الآخر: ويا ليتهم إذ لم يعملوا بما علموا تابوا مما عملوا عن الإمام علي (عليه السلام): (رحم الله من عرف من أين، وفي أين، وإلى أین)، والإنسان الذي يحدد هدفاً لحياته يشعر بأن حياته لها قيمة، وبأن هناك شيئاً يعيش لأجله، فليس أصعب على الإنسان من أن يعيش بلا أمل .
قال دايل كارنيجي سمعت عن طبيب يدعى الدكتور فرانك لوب أصيب بروماتزم حاد أقعده عن الحركة، فظل ملازماً فراشه ثلاثاً وعشرين سنة، ولما زرته أخيراً لم أر رجلاً أكثر منه بشراً وطمأنينة وأبعد عن الأسى والهم.
لقد جمع أسماء وعناوين مرضى آخرين مثله قضى عليهم القدر ألا يغادروا أسرتهم وراح يكتب لهم رسائل تفيض إيماناً وتشجيعاً وتفاؤلاً ومرحاً. ولم يمض وقت طويل حتى تألفت منهم جماعة كبيرة في مختلف البلدان، يكاتب الواحد منهم الآخر ويحدثه في الأدب والعلم والفلسفة والدين والفن.. بحيث أحس الدكتور لوب أنه يحيا لغرض وأن له في الحياة رسالة، لم يعفه منها مرضه، لذلك لم يستسلم للضعف والأسى واليأس.
وقال: وقد حدثتني صديقة لي قالت: منذ خمس سنوات، تملكني هم وحزن قبيل عيد الميلاد، كادا أن يقتلاني .. وكان أول عيد أقضيه بعيدة عن زوجي الذي قضي فجأة، بعد سنوات قضيتها في كنفه سعيدة هانئة، وقد رفضت دعوات كثيرة لقضاء ليلة العيد مع أصدقائي وأقاربي لأنني أردت أن أخلو لأحزاني. وفي اليوم السابق للعيد، تركت مكتبي في الساعة الثالثة بعد الظهر ورحت أتجوّل لغير هدف في الشوارع التي كانت تزخر بجموع مرحة مبتهجة فأعادت رؤيتها إلى ذهني ذكرى السنوات السعيدة الخوالي التي قضيتها مع زوجي، فانفجرت باكية. وبعد أن سرت نحو ساعة وجدتني أمام محطة أوتوبيس للضواحي .. فركبت السيارة، وأنا في شبه غيبوبة لم أفق منها إلا حين صاح قارض التذاكر :
هنا آخر محطة يا سيدتي .
نزلت وأنا لا أعرف اسم الضاحية التي نزلت فيها، ولكنني وجدت أفقت منها على مقعداً تحت شجرة فجلست عليه، وأخذتني سنة من نوم.. صوت طفلتين تقولان :
لا بد أن (سانتا كلاوس قد أرسل هذه السيدة إلينا).. وفتحت عيني فوجدت طفلتين في ثياب رثة.. وفهمت من حديثهما معي أنهما يتيمتان تقيمان في ملجأ قريب وقد أنساني حديثهما همومي.
وبدأت أفكر في نعمة العطف الأبوي التي لم أحرم منها في طفولتي، وأخذت الطفلتين إلى الملجأ حيث تبرعت بثمن وجبة عشاء ساهمت في إعدادها، وأكلت مع الأطفال أكلة ممتعة أعقبتها حفلة سمر صغيرة بدون حين نعطي كل أفكاري القائمة السوداء.. وقد دلتني هذه التجربة على أننا تأخذ، وأننا حين نساعد الغير ونهتم بهم نقهر الهم مهما كان شديداً.
إن ثلث مرضى النفس بل والجسم يعود سبب عللهم إلى إحساسهم بفراغ حياتهم، وتفاهتها .. ولو أنهم عنوا بالتفكير في مساعدة الغير وخدمتهم، لبرتوا من أمراضهم، ومهما كانت حياتك وظروفك، فإنك ستقابل كثيرين كل يوم في حاجة إلى كلمة تشجيع، أو إحساس بمشاركتك لهم في أفراحهم وأحزانهم.
فكر في ساعي البريد وبائع الجرائد وصبي بائع الخضر وماسح الأحذية .. إن لهم جميعاً متاعبهم وأحلامهم ومطامعهم الخاصة ...
وهم جميعاً في حاجة إلى من يتطوع لمشاركتهم فيها واشعارهم بأنهم أناس لهم قيمتهم ورسالتهم في الحياة. ولا داعي لأن تكون مصلحاً اجتماعياً كبيراً أو مليونيراً حتى تؤدي شيئاً نافعاً .. إنك تستطيع في عالمك الخاص أن تفعل الكثير. ابدأ غداً صباحاً بالتفكير في إشعار من تلقاهم باهتمامك بهم بوسيلة أو بأخرى .. فتجد متعة نفسية كبيرة، فأنت حين تكرم الآخرين وتخدمهم .. تكون قد أكرمت نفسك وخدمتها.
اضافةتعليق
التعليقات