تميّز نهج الإمام علي السياسي بمميزات سبقت عصره تحددت من خلاله أطروحات فكرية بدأت النظريات السياسية الحديثة تتبناها وتجسدها بعض الدول تطبيقاً في دساتيرها، كما تبنتها الأمم المتحدة في بعض بنودها الدستورية، ويمكن تحديد هذا النهج بالمميزات التالية:
1- امتاز النهج السياسي عند الإمام علي عليه السلام بشموليته ليسع الخطوط الكلية والجزئية للمجتمع الإسلامي، وقد جسدت رسائله الإدارية والسياسية وعهوده إلى الولاة وخاصة عهده إلى الأشتر، وكذلك مقولاته التي يوجهها لأمته بين الحين والآخر نهجه السياسي الذي تضمن بالإضافة إلى السياسة، الإدارة والحقوق الإنسانية والقضاء والتدابير العسكرية والجنائية والثقافية والتربوية، ثم التكامل بين هذه الحقول، وحين نمعن النظر إلى عهد الأشتر كوثيقة اشتملت على الفكر السياسي نجدها منظومة من الحقول المتكاملة التي تمثل التوجه السياسي لدولة الإسلام في عهد الإمام علي عليه السلام، وقد اشتمل نهجه السياسي على أسلوب الحكم الذي يجب أن يُتبع وتحديد آلية التطبيق وعلاقة الحاكم بالمحكومين وعلاقته بأعضاء السلطة التنفيذية المتمثلين في الوزراء والمستشارين وحكام المقاطعات، كما كشف الدور القضائي للسلطة القضائية على إمكانية تطبيق أرقى نظرية حقوقية في المجتمع وخلق العلاقة بين أبنائه، وتكوين منظومة من العلاقات الاجتماعية، كما اشتمل هذا النهج على النظام العسكري والدفاعي وماهي حدوده والأخلاق الحاكمة له عند التعامل مع الأفراد والدول في حالة الحرب والسلم.
2- يتضمن النهج السياسي للإمام عليه السلام الأهداف العامة للحكومة الإسلامية ويمكن تلخيصها في أربعة أهداف: "جباية خراجها، وجهاد عدوها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها"، وهذه تمثل على التوالي الشؤون المالية والشؤون العسكرية والأمنية والشؤون الثقافية والشؤون الصحية والاجتماعية وما تلا ذلك من الشؤون الزراعية والإسكان والتجارة.
3- النهج السياسي عند الإمام عليه السلام يدعو إلى أخذ العبرة من تجارب الماضين لتكوين الرؤية السياسية اللازمة وتلافي أخطاء ما وقع فيه الآخرون، لذا أمر الإمام عليه السلام ولاته بأن يتعرفوا على شر حكام الأرض السابقين، ولعل أدل ما يدل على ذلك وصيته لمالك الأشتر بقوله: "ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دولٌ قبلك من عدلٍ وجور، وإن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تقول فيهم"، والواقع أن الاستعانة بالأحداث التاريخية والتفاعلات السياسية التي مرت على الأمم تحدد معالم السياسة الهادفة والتي تستسيغها الأمم وترنو إليها: "وكان في بعض هذه التوجيهات يستعين بعنصر التاريخ ليُضيء الفكرة السياسية التي يقدمها، وليعطي توجيهه السياسي إضافة إلى الصدق النظري صدقاً واقعياً يوفر للتوجيه السياسي حرارة ووهجاً".
4- تميز الفكر السياسي لدى الإمام عليه السلام بآليات متطورة تبعاً للمنهج الإسلامي وتصوراته ونظراً لما يمتلكه الإمام من فهم لأحكام التشريع وخبرة واسعة حيث نما فكره من مواقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم السياسية والعسكرية الواسعة وثقته بقدراته وما يمتلكه من طاقة فكرية جبارة، جعلته مؤهلاً لأن يكون صاحب منهج متميز في إدارة شؤون الدولة بشكل تام.
فكان فكره السياسي مبدءاً للمجتمعات على مدار تعاقبها مهما تغير الحكام، وهذه النظرة ذات أفق بعيد، فيمكن اعتبار فكره السياسي أطروحة شاملة يبني عليها الحكام برامجهم السياسية، من وحي تلك الشمولية خطت سياسة الإمام علي عليه السلام خطواتها في الحكم.
5- لقد مورست في عهد الإمام علي عليه السلام سُلطات الدولة السيادية الثلاث برؤية حضارية متطلعة للمدى القريب والبعيد وبقيود الشريعة المتمثلة في الآتي:
القيد الأول: عدم جواز مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية مهما تكن الظروف أو تفرضه الأحداث أو تقابله سياسات المعارضين وهذا الفارق بين سياسته وسياسة من عارضوه.
القيد الثاني: إن كل سلطة من سلطات الدولة الإسلامية التي قادها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كانت تضع الهدف الأسمى تحقيق المصلحة العامة للأمة الإسلامية دون الاكتراث بغايات شخصية صغيرة كانت أو كبيرة.
القيد الثالث: اتبع الإمام علي عليه السلام من خلال ممارسته لسلطته التشريعية الأساليب المستقيمة التي لا تقبل الانحراف وأوصى ولاته وعماله بذلك، وفي مقابل هذه القيود هناك انطلاقات العمل الدؤوب والاجتهاد الذي لا يعرف الكلل والملل.
اضافةتعليق
التعليقات