أيام تمر سراعا، عام بعد عام أناس تمضي وأناس تأتي، منهم الطيب ومنهم الخبيث، ولكن كيف أصبح الطيب طيباً والخبيث خبيثاً، أليس الخلق خلُقوا جميعا بهيئة واحدة وفُطروا على حب الخير والصلاح. فنرى سائر الخلق ممن يميز بعقل يُفرق بين الصفات أو الأفعال الحميدة وغيرها من السيئة والمقيتة. فالشر ممقوت والخير محمود وهذا من المُسَلمات.
فما الذي جعل البعض يميل للشرور ويتخذ الفساد رفيقا.
هل هي المعتقدات أم الأهواء وحب الدنيا؟
يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "حب الدنيا أصل كل معصية وأول كل ذنب". تنبيه الخواطر: ٢ / ١٢٢
ويقول حفيده الصادق والذي لقب كما كان جده يلقب بالصادق الأمين: رأس كل خطيئة حب الدنيا. الكافي: ٢ / ٣١٥ / ١.
فها هو قائد الأمة ومنقذها القائد العظيم السياسي الأنجح والأفضل يرسم المسير الصحيح للخلق ويبين لهم ما يُنجيهم ويضمن لهم حياة كريمة، ولم يسر بنهجه إلا وُلده وعترته من آله الأطهار
ولكن هل كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في دولته وحكمه يفصل الدين عن السياسة أم كان حكمه بأمر السماء ورعايتها...
بينما نجد هتافات اليوم تعلو بفصل الدين عن السياسة. وهل السياسيين اليوم يحكمون بالدين أم يعرفون ماهو فعلاً.؟ وهل الخلل بالحكم بأحكام الدين أم بالحاكم نفسه؟
فلنفرق بين الأمور ونميز القول الصحيح كي لا تشتبه الأمور وتُفهم بصورة مغلوطة
فعندما يُطالَب بفصل الدين عن السياسة فالطلب بهذه الصيغة مغلوط لأن الخلل بمن اتخذ الدين غطاء، وظهر مرتدياً لباسه فقُرن الدين به، وهو لا يفقه من الدين شيئا، فلو عرفه لما أساء له ولما أخطأ، بل يتخذه وسيلة لأداء الحقوق والواجبات ويهاب ظلم أحد. كما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام يدققون بأداء الحقوق ويرفضون الظلم والفساد.
ولكن لم يحكم بالدين أحد، ولم يتخذوا القرآن دستورا الذي جاء فيه أحسن القول ومنه: "ولا تَبخسوا الناس أشياءَهم ولا تعثَوا في الأرض مُفسدِين" فلو وعوه لما كانوا هكذا.
وليس هناك من محنك بالسياسة والحكم كما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار
فمن ليس على قدر من الحكمة والمعرفة بأمور الدين التي تُنجح الحكم فلا ينسب نفسه له ولا يدعي أنه يحكم به
فلو كانت السياسة في يومنا هذا حقاً مع الدين، وتعمل بأحكامه، لما كثُر الفساد والظلم ولما زهقت الأرواح هكذا وكأن إراقة الدماء أمر هين، أيُستهزأ بالأرواح هكذا، هذه الروح التي خلقها الرب العظيم وأكرمها هكذا يُستهان بها. ولكن سيأتي يوم الحساب ولن تذهب سدى.
فكم كان الرسول صلى الله عليه وآله يقدر الروح ونفس الإنسان، تعامل مع الجميع برفق ولين، فكان اللين منهجه حتى مع أعدائه ولا عدو له إلا من لم يرض بالاعتراف بخالق واحد عظيم ولم يبتدىء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قتالا مع احد إنما كل معاركه كانت دفاعا. فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم لين الجانب عطوفا؛ وهكذا أهل بيته الكرام اتخذوا مداراة الناس منهجاً ساروا به
عاشوا لغيرهم وتحملوا الأذى لصلاح غيرهم
أ توجد روح كروحهم! ، أ هناك من اتخذهم قدوة بكل خطوات حياته؟ ، أ هناك من آثر على نفسه من أجل سلامة غيره؟
جاء في حديث عن الحسين بن علي (عليهما السلام) أنه قال: سألت أبي أمير المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف كانت سيرته في جلسائه؟
فقال : كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ، ولا غليظ ولا صخاب، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه ، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحداً ولا يعيره ، ولا يطلب عثراته ولا عورته ولا يتكلم إلا في ما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كإنما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا ، ولا يتنازعون عنده الحديث. معاني الأخبار ، ص 83
وحياة أهل البيت (عليهم السلام) و سيرتهم ومواقفهم العملية الداعية إلى اللاعنف والسلم، واللين والعفو، والتغاضي عن الإساءة وعدم ردّها بمثلها، هي خير منهاج يُسار به ويرتقي به الفرد الذي يبغي الصلاح.
ها هو الإمام الصادق (عليه السلام) الذي تتلمذ على يديه جمع غفير وأصبح لهم شأناً لتوظيفهم العلوم التي استفادوها من الإمام بما تماشى وسيرتهم. - ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة كحنيفة النعمان الذي تدارس عند الإمام صلوات الله عليه سنتان وأسس مذهباً وقد قال: لولا السنتان لهلك النعمان.
يؤكد عليه السلام على مسألة بيان قوانين الإسلام المهمّة التي حاربتها الحكومات الظالمة وعملت على محو آثارها من بين المسلمين.
ومن أهمّ هذه القوانين التي دعا إليها الإمام الصادق (عليه السلام) هو قانون اللاّعنف حتى مع المناوئين والمخالفين.
فقد أتاه رجل وقال له: إنّ فلاناً ابن عمّك ذكرك فما ترك شيئاً من الوقيعة والشتيمة إلاّ قاله فيك!
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) للجارية: ائتني بوضوء.
فتوضّأ (عليه السلام) ودخل، فقلت في نفسي يدعو عليه، فصلّى ركعتين، فقال: «يا ربّ هو حقّي قد وهبته، وأنت أجود منّي، فهبه لي، ولا تؤاخذ بي ولا تقايسه».
ثمّ رقّ، فلم يزل يدعو، فجعلت أتعجّب. مشكاة الأنوار: ص218 ب4 فصل11.
فهلّا استفدنا من هذه السيرة العطرة لنرتقي بأنفسنا ووضعنا فيعم الأمن والسلام.
اضافةتعليق
التعليقات