شعرت بأن الأرض توقفت عن الدوران، تجمد الدم في عروقها حتى دموعها بقت حبيسة المحاجر تأبى السقوط.
تمالكها وجل لا مناص منه, وهي تسأل نفسها كيف سيكون القادم؟، حملت صفة أرملة الشهيد وأم لطفلتين وهي لم تكمل العشرين بعد.
بقيت صامتة تتطلع إليهم, يطرحون مقترحاتهم دون سؤالها! والد زوجها الشهيد اقترح على ولده الثاني أن يتزوجها ليربي بنات أخيه.
والاهم من ذلك قد حصلت على عقار في مركز المدينة (قطعة أرض) وتعويض مالي وراتب شهري فلن يتكلف عناء شيء!
وهي أين من هذا كله؟.
أعيش بلا مستقبل..
إنها بداية لحكاية زوجة أحد الشهداء ( ن- ر) بعد استشهاد زوجها امست كمن كانت بمزاد علني للاقتران بها دون التفكير بها كإنسانة!
هناك من تخضع لهكذا زيجة لما تفرضها الظروف عليها, وهناك من تصارع لإكمال حياتها إما لتختار شخصا يناسبها بعد ما تنتهي مراسيم حداد قلبها, أو تعيش على ذكرى زوجها وترعى أطفاله إن كانت أماً.
(ن-ر) أكملت حديثها قائلة: كانت تجربة صعبة يقررون مصيري وكأني دمية, وإن رفضت لا يحق لي بالزواج برجل آخر وإلا سيسلكون طريق القضاء لأخذ بناتي وكل مستحقات زوجي الشهيد ضمانا لمستقبلهما وأنا أعيش بلا مستقبل؟
ما كان أمامي سوى الرضوخ والزواج بشقيق زوجي الشهيد وعيش حياة جديدة على الرغم مني لتنال سطوته كل مستحقات أخيه وقسوته على ابنتيه, بقى الصمت ملاذي والدموع تواسيني..
صيد غني
فيما قالت هيفاء وهو اسم مستعار: إن استشهاد زوجي جعل البعض من الرجال يراني الصيد الغني حتى تقدم لخطبتي شباب لم يسبق لهم الزواج كما لديهم الاستعداد الكامل برعاية أطفالي الثلاثة, ومن هنا اصبحت لا أفكر بالاقتران, كما تلقيت دعما ماديا من الحكومة من خلال المستحقات استطعت بها أن أوفر حياة كريمة أنعم بها أنا وأطفالي.
ختمت حديثها: الكثير من زوجات الشهداء بالذات اللواتي لم يكملن الثلاثين, يتعرضن لهكذا مضايقات, وهناك من تتزوج لتكمل حياتها فبالنهاية الزواج سنة اقرها الاسلام وليس عيب أو حرام.
قلب مكسور
فيما شاركتنا السيدة (ع_ء) قصتها قائلة بأسى شديد: "عدت بقلب مكسور إلى بيت أبي بعد استشهاد زوجي في الموصل لأعيش تحت جبروته كما كان لإبني نصيباً في ذلك, وتحولت حياتي لسجن أعيش خلف قضبانه.
منعني من الخروج بذريعة أني صغيرة, ورفض تزويجي لأن راتب زوجي يعود إليه بدخل جيد.
كما تعرضت للضرب المبرح لأتنازل عن الأرض التي حصلت عليها كتعويض, لا أدري كيف حملتني أقدامي للهروب منه واللجوء إلى خالي ليقف بجانبي في تلك المحنة.
في الختام، قصص كثيرة تشوبها الغرابة والحزن لا يسع للمقام ذكرها, فبعد أن يصل نبأ استشهاد زوجها الصادم, يصدمها الواقع بمخالبه التي تنهش بها من القريب والغريب, ولا نخص جميع العوائل بهذا القول.
فهناك من ينصفها القدر فبعد سني حزنها تفتح الحياة لها آفاقاً جديدة وأخريات يشار اليهن بالبنان بعبارة مطروقة لطالما سمعناها: (شبيها حصلت راتب وفلوس وقطعة) وكأنها تقاضت ثمن دماء زوجها وأب أطفالهم وسندها في الحياة متجاهلين مشاعرها, وهنا تبدأ رحلة تخبطها بأذيال المجتمع وسطوته.
اضافةتعليق
التعليقات