بعد أن تسبب الانترنت بالمظاهرات الأخيرة في العراق ووسط الفوضى العارمة التي تسببها موقع الفيس بوك من نقل أخبار المظاهرات سواء كانت حقيقية أم مزيفة ونقل الصور التي تثير مشاعر الشعب واثارة الفتنة، قررت قيادة القوات المسلحة بقطع خدمة الانترنت في جميع أرجاء العراق، وفي هذه المرة كان القطع مختلف عن باقي المظاهرات السابقة التي تستخدم بها الحكومة العراقية انقطاع الانترنت لتهدئة روع المواطنين.
فلم تحجب هذه المرة فقط مواقع معينة بل إن الخدمة انقطعت عن معظم أنحاء العراق بما في ذلك العاصمة بغداد وإن معدل الاتصال انخفض إلى ما دون 70 في المئة، هذا ما أدى إلى هدوء نسبي بين افراد الشعب العراقي عن اخبار المظاهرات وانقطع الجميع عن العالم الافتراضي المتضمن بمواقع التواصل الاجتماعي.
تسبب انقطاع الانترنت إلى خسائر في قطاع الأعمال، بصورة عامة يقدّر مراقبون حجم الخسائر التي تكبّدتها الشركات والبنوك وقطاع الأعمال عموماً في العراق بما بين 40 و50 مليون دولار يومياً، جراء قطع السلطات العراقية خدمة الإنترنت في عموم البلاد منذ اندلاع التظاهرات في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وبذلك تتراوح الخسائر الإجمالية بين 400 و500 مليون دولار خلال العشرة أيام من قطع الخدمة، بحسب ماتناقلته وكالات اعلامية.
لن أتكلم اليوم عن المظاهرات وعن ماتسببته وعن تفاصيلها لأن كلامي لم يسمعه أحد فهم لم يسمعوا أصوات المتظاهرين هل بالمعقول سيسمعوا صوتي؟ ولكن سأتجه صوب الانترنت وانقطاع خدمة الانترنت في المناطق العراقية وما تسببه هذا الشبح الكاسر الذي يدعى الانترنت.
بمجرد انقطاع خدمة الانترنت ارتفع الستار الذي كان مسدل على أعيننا وبدأنا نرى الحقائق في أم عينها ونكتشف الكثير من الأشياء التي كان قد سرق بهجتها منا ذلك الجهاز الذي لا يفارق ايدينا، فاجتمعت العوائل وبدأت الزيارات بين الجيران والاقرباء وبدلا من أن تنادي الأم أبناءها عبر الواتس اب لتناول وجبة العشاء قامت تذهب إلى غرفة كل واحد منهم لتراه ماذا يفعل وتجلس معه لتسمع منه ماذا يشعر.
وبدأت طاولات الطعام تمتلئ بجميع أفراد العائلة والحديث جدا ممتع عندما يفتح مابين أفراد العائلة موضوع معين ويتشعب إلى عدة محاور وسلسلة اقتراحات ليس كما كان قبل يفتح الموضوع ونسارع بغلقه حتى لا ندخل بمتاهات تبعدنا عن التعليق على بوست قد نشر في العالم الافتراضي.
والظريف بالأمر أن إحدى الزميلات قالت لي أن ابني في صف السادس الاعدادي ونتيجته مكمل في دورين ويرجع بنفس المادة، وكلما دخلت عليه الغرفة وجدت الموبايل بيده وعند سؤالي عن سبب انشغاله على الموبايل يجيبني: أقرأ المادة عبر الموبايل، أحمل ملازم ومرشحات، وفي يوم امتحان الدور الثالث دخلت عليه الغرفة وكانت المفاجئة أنه يقرأ بصوت عال ويستعمل القلم والورقة وسألته لماذا لا تقرأ عبر الموبايل، أجابني: لا يوجد انترنت.
إن الموبايل على وجه العموم والانترنت في الأخص هو سارق لكل شيء جميل في حياتنا فبدل أن يكون له جانب ايجابي لنا ويستعمل للأعمال والمهمات الضرورية أصبح هو السبب عن تقاعسنا للقيام بأعمالنا المهمة والضرورية، تخيلوا أنا واحدة من الناس الذين أصابهم هذا الداء الذي يسمى الانترنت فبزوال الانترنت في هذه الفترة اكتشفت أن الوقت طويل ولدي متسع من الوقت لعمل الكثير من الأعمال التي كنت أتقاعس عن قيامها بحجة أن ليس لدي متسع من الوقت.
إن مرض الانترنت لم يدع شخص سليم فالكل مصاب به والكل مسير وراءه سواء بألعابه أو باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال اليوتيوب فكل حسب أهواءه، ياله من سارق ذكي دخل لكل شخص من حيث رغبته ومبتغاه ولم يترك أحد في حاله.
إن هذا الأمر لم يحدث فقط ما بين العائلات العراقية البسيطة لا بل الأمر وصل إلى الحكومة العراقية أيضا، يبدو أنهم كانوا نائمين خلف شاشات جوالاتهم وينعمون بأحلام جميلة خلف البوبجي أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي ونسوا الشعب المسكين الذي يموت من الجوع آلاف المرات يوميا وتضربهم ويلات الظلم والاستبداد ولكن لم تصل الصيحات إلى مسامعهم ولم تهتز منصات قراراتهم إلا بعد انقطاع الانترنت الذي خلف بعده عدة قرارات فجائية تنهض بحال الشعب العراقي المسكين.
فكيف سيكون حال هذا الشعب المسكين الذي يفرقهم ذبابات الانترنت ويحصلون على حقوقهم بغياب تلك الشبكة العنكبوتية؟
هل ستستمر الحكومة بهذه الصحوة أم ستذهب برجوع ذبذبات الواي فاي عندما يرجع الانترنت إلى العراق بصورته الطبيعية؟، وهل ستبقى العائلات العراقية مجتمعة على رأي واحد وحول طاولة واحدة، أم ستتغير بأول اشعار على الموبايل؟ هذا ماستبينه لنا الأيام القليلة القادمة.
اضافةتعليق
التعليقات