كل الأيام رائعة، وأروع منها تلك الأيام التي تُدعى بأيام الله، وخير الزاد ما تُقرّب به إلى المولى عزّوجل، وسعيد ذاك الذي يوفّقه الله لاغتنام الفرصة، والأخذ بأسباب السعادة الأخروية.
والإنسان يتقلب بين فصول السنة ما بين خريف وصيف وربيع وشتاء، فليست كل أيامه ربيعا بالتأكيد، إلّا المؤمن فإنّ ربيعه فصل الشتاء، وكما أن القرآن ربيع القلوب، كذلك فصل الشتاء الذي يقصر نهاره ويطول ليله، هو ربيع المؤمن، يجد فيه ضالّته للزلفى والتعبد لله تعالى، والتقرب إليه بفنون الدعوات، والتبحر في ملكوته، والتزود من ذكره لتطهير النفس، والترفّع عن الشهوات، والارتقاء بالروحانية حتى يتحقق القرب المنشود بين العبد وخالقه.
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الشتاء ربيع المؤمن يطول فيه ليله فيستعين به على قيامه، ويقصر فيه نهاره فيستعين به على صيامه)(١).
ولأنّ الربيع شهر تتفتّح فيه الرياحين عن أكمامها، وتزهر صفحة الكون بألوان الورود، وتخضرُّ الفيافي والسهول بلون الفرح والإنشراح والحبور، فتستكين النفس وترتاح وتميل نحو الدعة والهدوء، فكذلك ربيع المؤمن هو الآخر يشهد صعودا روحانيا غير مسبوق لروحه التوّاقة للانفلات من حبائل الدنيا الفانية، والارتماء في أحضان الوصل والزلفى، فما أجمل أن يروّح المؤمن عن ذاته؟ وما أبهاه وهو يتقلّب ساعة وصل في محفل العبودية الحقة؟ وما أسعده وهو يغتنم من الليل ساعة يناجي بها رب الأرباب ومعبود الأرض والسماء؟
من الخسارات غير المرئية والتي يُمنى بها الانسان، تلك الساعات التي تمر وتنقضي دون أن يكون لذكر الله فيها نصيب، ومن المصائب الثقيلة أن تسير حياة الإنسان على وتيرة واحدة، دون أن يحدّث نفسه بتغيير، أو يجهد نفسه للارتقاء بها في ساحة القدس الإلهية.
إنّ الله سبحانه وتعالى جعل مرور الأوقات تذكرة للعباد، وجعل من تبادل الفصول رسالة منه لكي ينبه الإنسان لقيمة الزمن، ومن سعادة العبد أن يعرف شرف الزمن وقيمة الوقت، وأن يتعرف على وظائف المواسم حتى يعمرها بطاعة الله، وأن يفقه فلسفة خلقها وإيجادها.
فما الذي يتميز به فصل الشتاء عن باقي فصول السنة ياترى؟ ولماذا له الأفضلية من بين الشهور للتعبد والطاعة؟
أولا: ما يتميز به الشتاء هو أن نهاره قصير، وهذا مما يساعد المؤمن على الصوم، وأداء ما فاته من القضاء لهذا الواجب التعبدي.
ثانيا: أنّ ليله طويل خلاف الفصول الأخرى، وهذا ما يوفر عاملا مساعدا لأداء صلاة الليل، والتقرب إلى المولى في جوف الليل ببضع ركعات تثقل ميزانه وتبيض وجهه وتزيد في رزقه.
ثالثا: ويمتاز فصل الشتاء بسقوط المطر، والمطر آية من آيات الله، فيها يستحب الدعاء ورفع الأكف نحو السماء لإستمطار الرحمة الإلهية، فإنها كما جاء في الروايات عن أهل البيت عليهم السلام ظاهرة كونية يستجاب فيها الدعاء، وتُقضى فيها الحوائج، وكذلك الرعد والبرق والرياح، كلها آيات عظيمة ينبغي أن يتفكر فيها المؤمن، ويسعى فيها للتأمل في كل مخلوقات الله وعجائبه.
وأخيرا نقول لفصل الشتاء: شكرا لك
يا أجمل الفصول وأبهاها، شكرا لأنك شهر العطاء والوفرة والنداوة.. شكرا لنهاراتك القصيرة التي تمنحنا القدرة على الصوم، وللياليك الطويلة التي تغرقنا في لجّة الوصل مع المحبوب.. شكرا لكل ما تتحفنا به من نمير ماء عذب ليباب حياتنا.
فنحن لك ولكل عطاياك وهباتك من الشاكرين... ومن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق.
اضافةتعليق
التعليقات