الغيرة غريزة طبيعية لكنها تتحول إلى قاتلة عندما تكون مرضية، حيث تتخفى وراء أقنعة كثيرة لتنطمس معالمها، إلا إن هذه الأقنعة لا تغير من طبيعة الغيرة القاتلة شيئا فهي سم في جوهرها ولاريب، تنزع أولا مشاعر الحب وإذا بها تقضي على الثقة وتنتهي آخر الأمر بغرس بذور الكراهية والبغضاء. وهناك ضغوط نفسية واجتماعية واقتصادية تؤجج الغيرة لتجعلها تستحوذ على المرء لتظهر له وجها آخرا كان يخفيه.
غيرة عابرة
الاعلامي عبد الامير كاظم (50 سنة) قال: قد يعمد المرء احيانا الى الإقرار بغيرة عابرة يشعر بها وذلك بغية إخفاء ما يشعر به من انتقاص او أذى، يتضح ذلك مثل الزوج الذي يدعي الغيرة من رئيس الدائرة التي تعمل فيها زوجته لتواصلهم المستمر بطبيعة عملهما، لتبلغ به غيرته أو بالأحرى ما تخفيه غيرته من مشاعر أخرى والتي قد تؤثر على سير العمل وإرباكه إلا انه لا يجرؤ على مجابهة شعوره بالغيرة فضلا عن الاعتراف بها علانية كـ خطوة أولى في سبيل تخطيها والتخلص منها وهو غير قادر أيضا على اخمادها او كبتها لذلك كانت الغيرة ذريعته ومتنفسه.
واضاف: ان الغيرة يمكنها ان تخلق مشاكل وخيمة بين الأزواج مما يصعب التعامل مع الطرف الغيور لانها تأخذ طريق الشك الذي يحطم حتى حاجز الاحترام فيما بينهما، ففي بعض العوائل وأن كنت رافضا وجهة النظر هذه الا انها موجودة حيث تنشأ المنافسة بين الزوج وزوجته فيما يتصل بالأطفال فقد يشعر الزوج بالنفور من أطفاله الذين حرموه من بعض ما كان ينعم به من عواطف زوجته، وقد لا يجد متنفسا لنفوره هذا الا بتأنيب الاطفال الابرياء وأحيانا ضربهم، شأنه في ذلك شأن الزوجة التي قد تعمد الى تصرف مماثل في ظروف ولأسباب مماثلة، حتى اهمال الزوج يخلق مشاكل فغيرة الزوجة من قريناتها المتزوجات يجعلها تحتد مع زوجها مما يؤدي بهما الى النزاعات والعكس ايضا.
اما من ناحية اخرى فمن المنظور الاخلاقي والجوهري تعد غيرة المرأة التي يمتد اصلها من الشك (او الحب والغيرة الزائدتين) بزوجها وهو بريء من شكوكها الا انها غيرة اعمت بصرها وبصيرتها فتعد غير اخلاقية ولا تعتبر سوى تخلف فكري وأزدواجية في الشخصية وعدم نضوج عاطفتها.
واضاف: ان المرأة الغيورة تستخدم كل شيء لتنال مبتغاها حتى وان كان على حساب الغير، فالمرأة الغيورة لاتمتلك سيطرة على اتزان شخصيتها وهذا بالطبع يؤذيها قبل ان يؤذي غيرها.
بين السلفتين
فيما قال الشاب يوسف ناجح (38 سنة): ما عانيته هو غيرة زوجتي المفرطة من زوجة اخي الأصغر فجعلت حياتي مضطربة ولاننا نعيش في بيت واحد، كثيرا ما تعرضت لضغوط نفسية بسبب هذا الموضوع المحير الذي لم اهتدِ الى سبل اجيد التعامل به مع زوجتي الغيورة، فقد أفقدتها الغيرة صوابها ولان أخي كان كثير الخروج مع زوجته اضافة الى مشترياته التي لاتنتهي كانت تتفاقم النقاشات بيننا وتحتد لتصل احيانا الى الصراخ، ولأني اعمل كموظف بسيط بأجر يومي ودخلي لايكفي ان اعيل عائلة كبيرة كانت زوجتي مصرة على الإنجاب وذلك لان زوجة اخي (سلفتها) حامل وكان يجب علينا ان ننجب ايضا.
محقت الغيرة تماما كل شعورها بمسؤوليتها اتجاه اطفالنا الباقين حتى استحوذت على كيانها وأفكارها وكان يجب ان انصاع الى رغباتها الجامحة بدون تفكير، فضلا عن الكثير من المشاكل الوخيمة التي كانت تنغص على حياتي الزوجية بسبب الغيرة .
تابع يوسف: بعد عناء طويل استطعت ان اوفر سكنا اخرا لأنتقل للعيش وحدي بسلام بعيدا عن غيرة النساء التي لاتنتهي حتى في إنجاب الاطفال.
بين العمة والكنة
وتشير شهد ابراهيم بقولها: واجهت الغيرة في فترة خطوبتي التي استمرت ثلاث سنوات لقريبي حيث دمرت لي حياتي، فخلال تلك الفترة سعت شقيقتاه الى فسخ تلك الخطبة بشتى الطرق وأول أسلوب استخدمتاه هو بث الإشاعة المغرضة من اقاويل لا تمت لي بصلة مما أثارت خلافات بيني وبين خطيبي، فقررت الانسحاب وفسخت خطبتي، ورغم صعوبة القرار الا اني وقتها شعرت بالارتياح لأتخلص من الغيرة القاتلة التي تقود الى تحطيم حتى العلاقات الأسرية فقد حصلت قطيعة بين الاسرتين، لم اتوقع ان ترسم الغيرة خيالا واسعا لتأليف الأقاويل لصاحبها فأن زادت عن حدها تتحول الى مرض خطير.
واصلت حديثها: تزوجت برجل اخر لكن الغيرة بقت تطاردني وهذه المرة من قبل والدة زوجي التي تشاركني حتى خزانة ملابسي، هذا من غير تدخلها المستمر في أدق تفاصيل حياتنا وطبعا كان كلامها هو المسموع وان كان على خطأ، ازدادت المشاكل بيننا وكثيرا ما كنت اتعرض للضرب المبرح وذلك ارضاء لوالدته التي كانت تغار مني حتى في تغيير لون شعري، لم تنته المشاكل المتواصلة حتى اصبحت لانهائية، وانتهت حياتي الزوجية بسبب الغيرة الى الطلاق.
الاختصاصي النفسي
شاركنا استاذ علم النفس الدكتور شافي الشريفي برأيه قائلا: ان الغيرة ظاهرة طبيعية ولكنها اذا زادت عن الحد المعقول تحولت مرضا نفسيا، فيجب التعامل مع المريض فورا ومعالجته. وللغيرة عدة أنواع وهي حسب شخصية المرء وتفكيره في الحياة؛ هناك غيرة مؤلمة تصيب صاحبها بألم الحسرة وهي تصيب أصحاب النفوس المريضة المصابين بالقلق، وغيرة التملك أي يغار من كل من يمتلك اكثر منه مالا او يحصل على جاه اكثر منه وقد ترتبط هذه الحالة بالحسد.
وتابع الشريفي: هناك الغيرة العاطفية وهي اكثر ظهورا بين الاحباب والازواج فهي تسعى الى ان تكبله بحبها وهو يريد الشيء نفسه ولا يريد لأي انسان مشاركته بهذا الحب بل يتعدى ذلك ويصبح خيانة لأرتباطه بالقيم الدينية والاخلاقية .
لكن اذا زادت هذه المحبة انقلب الى مرض، وأكثر أسباب الطلاق تأتي بهذا السبب وأحيانا تظفر الغيرة بشيء بسيط وسرعان ما تقود إلى كارثة، مثل الهواتف النقالة وصفحات التواصل الاجتماعي.
وأضاف: ان غيرة النساء أكثر من الرجال وذلك لطبيعة المرأة العاطفية فهي تحب ان تجعل بصماتها داخل بيتها الذي تعتبره مملكتها ولا تحب احد ان يشاركها به، وهناك غيرة واجبة وهي أي يغار الإنسان على عرضه وعلى دينه وعلى وطنه وعلى مجتمعه، والغيرة على الدين من أهم أنواع الغيرة المحمودة والواجبة وليست المستحبة.
وبشكل عام يتصف الإنسان ضعيف الشخصية بالغيرة المزعومة والتي تجعله قلقا وأنانيا وغير مرتاح دائما.
ختم الشريفي حديثه: ان التخلص من داء الغيرة الغير معقولة يجب ان يكون مع النفس اولا وهي الرضا بما قسمه الله فالقناعة كنز لايفنى، ومن كان كذلك أي قنوعا اطمأن وارتاح في الدنيا والاخرة، ومع الناس ثانيا وهي تتصف بالثقة بالنفس وتكون اهم المراحل التي تجعله يتخطى مشكلة الغيرة التي تملكته لا اراديا فعلى الانسان ان يتدرب على كيفية ان يجعل شخصيته قوية ومؤثرة في الاخرين ولايركز على الغيرة والحسد ومتابعة الغير، وحتى يبتعد قدر المستطاع لتفادي شعوره بالنقص والغيرة، وان يتعلم كيف يدير ذاته، و لايجعل احد يقوده، و يتدرب على قوة الارادة فهي مفتاح النجاة، ومحارب النفس الضعيفة ويبتعد عن الهوى فهو مفتاح لكل المشاكل .
اضافةتعليق
التعليقات