دان جيبسون - مستشرق أمريكي، وباحث مستقل، ومؤرخ كندي مختص بدراسة تاريخ العرب والمسلمين يقول جيبسون في نظريته: إن مكة ليست قبلة للمسلمين وإن مكان مكة هو البتراء وليست في السعودية. مكة لدى جيبسون هي مدينة البتراء الواقعة جنوب الاردن، وهناك وُلد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهناك كانت الكعبة المشرفة، السؤال هو أين المعالم الأثرية الكثيرة لمسيرة الرسالة الإسلامية!! ومن ساعد على اندثار هذه المعالم، مما اعطى هؤلاء المشككين ثغرات ليبنوا عليها اهدافهم المشينة؟.
وهل الدافع وراء إخفاء الأدلة التاريخية على وجود رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) في مكة دافع ديني!.
بدأت أبحاث جيبسون تنصب حول تجارة العرب الأنباط في الفترة بين (300 ق.م - 500 م). وكانت دراسته حول اثبات وجود تناقض بين السجل الأثري والتاريخي للجزيرة العربية. كما ركزت أبحاث جيبسون على عدم تطابق النصوص التقليدية للاسلام مع الواقع. في عام 2011 وبعد عشر سنواتٍ من البحث، نشر كتابه "القرآن والجغرافيا". وكانت نتائج أبحاث جيبسون كالتالي:
المراجع الجغرافية في القرآن تثبت أن بيت الله الحرام (المدينة المقدسة للمسلمين) هي البتراء، وليست مكة!!.
لغاية سنة 724 ميلادية كان اتجاه القبلة للمساجد كلها تشير نحو البتراء في جنوب الأردن، وليس في القدس، أو مكة. ويمكن استبعاد احتمال خطأ بناة المساجد القديمة، بسبب دقة هندستها وكذلك تجمعها جميعاً في نقطة واحدة وهي البترا. وبالفعل في عام 1977 أثبت كرون وكوك، أن أقدم المساجد لم تكن موجهة نحو مكة المكرمة، بعد عام 822 ميلادية، اتجهت جميع المساجد لمكة المكرمة دون استثناء. لا تتشابه أوصاف مكة بالقرآن والأحاديث النبوية مع الواقع. كما لم تكن مكة المكرمة تقع على أي طريق تجاري في زمن الرسول محمد، وهذا ما أكدته الباحثة باتريشيا كرون سنة 1987.
بالاضافة لذلك لا يوجد أي سجل أثري لمكة منذ القرن السابع الميلادي. وذكرت الأبحاث التي أجريت على النباتات، أن النباتات المذكورة في القرآن لم تنمو أبداً في مكة، وأن البترا في الأردن تتطابق تماماً مع أوصاف القرآن في كثيرٍ من التفاصيل. وكانت البترا أيضاً مركز الحج العربي قبل نشأة الإسلام. ادعائه بأن المخطوطات الأولى للقرآن لا تحتوي على الآيات التي تدل على تغيير القبلة مثل الآية (1444 سورة البقرة)، والآية الوحيدة التي ذكرت فيها مكة بالقرآن (الآية 24 من سورة الفتح). كان هجوم المكيين على المدينة المنورة من الشمال، في حين أن مكة تقع بالجنوب من المدينة. المسافات المذكورة بالقرآن تكون أقرب بالمعنى للبتراء على هذه الأسس بنى جيبسون نظرية أن النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعش أو يولد في مكة المكرمة وإنما في البترا ! وقبل جيبسون اقترحت باتريشيا كرون ومايكل كوك سنة 1977، أن ميلاد الاسلام يجب أن يكون في شمال غرب شبه الجزيرة العربية.
كما استنتج جيبسون أنه تم نقل الحجر الأسود من البترا إلى مكة خلال الفتنة الثانية، ثم بنى العباسيون المنتصرون المساجد باتجاه القبلة الجديدة. وبدأت البترا تفقد ذاكرتها وأهميتها تدريجياً، وأصبحت غير صالحة للسكن بعد زلزال كبير أصابها. أما تاريخ البترا فتم القضاء تدريجياً عليه من قِبل العباسيين، وأحرقوا الكتب التي تذكرها. وجميع التقاليد والكتب والمراجع التي تذكر بدايات الإسلام كانت مستمدة من العصر العباسي ما عدا القرآن، لذلك في إطار الدراسات الإسلامية العلمية تعتبر هذه المراجع العباسية مشكوك فيها وغير تاريخية من نواحي كثيرة.
إلا أن الخطأ الذي وقع فيه هؤلاء المشككون عرابو هذه النظرية يكمن في الإجابة لا في السؤال فأين المنزل الذي وُلد فيه رسولنا محمد صلى الله عليه وآله سلم في مكة؟ وأين دار الأرقم؟ وأين منزل أمنا خديجة عليها السلام حيث كان يتنزل الوحي على رسول الله؟ وأين؟ وأين؟ إن كانت مكة بالفعل هي مهبط الوحي؟ إن ثبوت وجود أي من الآثار التاريخية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة ليس كفيلًا بهدم النظرية فحسب بل وبكشف حجم سذاجة وهشاشة المسار العلمي لهذه النظرية.
والقرآن الكريم أخبرنا بآية واضحة أن مكة كانت مغمورة تحت الأرض بعد طوفان نوح، وهذا مما جعلها قرونا غير معروفة الأثر لدى العرب، فأنزل الله أمرا لإبراهيم أن يظهر {الأساس} في الرحلة المشهورة مع زوجته هاجر وولده إسماعيل {ع} في آية قرآنية, {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} والآية واضحة أن الارض قفراء بدون زرع، فأين بحث السيد جونسون في الموضوع وأين معلومته الجديدة عن مكة؟.
- بالعودة إلى سؤالنا أين الآثار النبوية الملموسة في مكة؟؟ منذ عام 1803 بدأت حملات مكثفة في السعودية يقودها علماء الدين لمنع البدع تضمنت هدم الإرث التاريخي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحقبتي البعثة والهجرة على حد سواء وهذه الحملات ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، لكن هل بالفعل منع البدعة دافعها؟ وهل الجهل بمعنى البدعة يمكن أن يسوغ تلك الحملات؟ وفي محاضرة للدكتور أحمد يماني وزير النفط السعودي الأسبق عام 2000 عن اكتشاف منزل السيدة الخديجة عليها السلام تُشير إلى ما هو أبعد من مُجرد حملة يقودها الجهل بمفهوم البدعة.
حيث ألقى الدكتور يماني، محاضرته في بريطانيا بعنوان "بيت خديجة" لشرح قصة أعظم اكتشاف أثري يتعلق برسول الله عام 1989، وهو منزل أمنا خديجة عليها السلام، حيث قضى نبينا 28 عامًا من سنوات عمره الشريفة وشهد ميلاد أبناءه من خديجة، وهناك وجد فريق البحث متوضأ الرسول عليه السلام وهو حوض بحالة جيدة، هذا الإرث العظيم والشاهد الأقدم هو حق للأمة الإسلامية، ورغم هذا صدرت التعليمات للدكتور أحمد يماني بدفن المنزل بالرمال وإخفاء معالمه بالكامل، يؤكد الدكتور يماني في محاضرته أن جميع آثار صدر الإسلام تم هدمها بالكامل في مكة ولم يتبق سوى منزل السيدة خديجة ومنزل عبد المطلب حيث وُلد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وكلاهما مدفونان تحت الأرض.
تم هدم قبر آمنة بنت وهب والدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطريقة بشعة، فبعد أن سوته الجرافات بالأرض صُب فوقه زيت البنزين.
الباحث والمعماري السعودي الدكتور سامي عنقاوي المهندس المشرف على إعادة اكتشاف بيت خديجة يأسف بصوت تخنقه الحشرجة لقيام السلطات السعودية ببناء مرافق عامة "مراحيض" فوق منزل خديجة ومنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكة، عملية طمس الآثار المكية شهدت حملتها المحمومة إبان غزو الكويت بتسيير الجرافات في أزقة وشوارع مكة لتأتي على كل أثر من أصل ثلاثمئة شاهد أثري وفقًا للدكتور عنقاوي، ومما طُمس دار الأرقم.
وفي عام 2006 نشرت صحيفة "الإندبندنت" تقريرا اخباريا استقصائيًا مصورًا في صفحتين كاملتين حمل عنوان "عار على بيت آل سعود"، يشرح فيه الصحفي دانيال هاودن كيف حلت الأبراج في مكة مكان التراث الإسلامي، وباتت المواقع التاريخية القديمة أثرًا بعد عين.
والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي يسوغ فيه "علماء السعودية" حرمة بقاء الآثار الإسلامية في مكة والمدينة بدعوى سد ذرائع البدع، نجدهم لايقفون على بنايات المتاحف، المتفرقة في السعودية التي تحوي ممتلكات العائلة المالكة في السعودية، مثل حذاء الملك عبد العزيز وعصاه وعباءته وسريره، والحفاظ على بيت البيعة بحالة ممتازة المكان الذي شهد بيعة أهالي الأحساء للملك عبد العزيز هذا البيت أحد أبرز المتاحف المصانة في المملكة، في حين تم هدم مسجد بيعة الرضوان وإخفاء ملفات وخرائط المسجد التي تثبت تاريخية المسجد من أرشيف وكالة الأوقاف السعودية.
الشبهات الحديثة للاستشراق الجديد بوجود الكعبة في البتراء لا في مكة هو ثمرة بسيطة لجريمة علماء السعودية بحق التاريخ الإسلامي، هذه الشبهات تجدها على شاشات القنوات المشبوهة ومجهولة مصدر التمويل المحرضة على الإسلام وتناقشها في حلقات مطولة على "اليوتيوب" ووسائل التواصل الاجتماعي وتعمل جاهدة على نشر النظرية باعتبارها حقيقة تاريخية. والمستقبل سيحمل الكثير من نتائج ضياع الأدلة التاريخية على بعثة رسول الله صلى عليه وآله وسلم في مكة. ونحن أمة محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمة لها تاريخها العريق، خاصة الجزيرة العربية ولكن بسبب إهمال واندثار بعض المعالم، أصبح فرصة لهؤلاء المشككين الذين يريدون أن يرسموا خريطة أرض العرب، على غرار البلدان الأخرى، التي لم تسلم حتى على لغتها، وعلى دينها منهم، وعلى النقيض تمامًا نجد عصابات بلا تاريخ تخلق لنفسها تاريخها الخاص بقوة الرصاص، وتنسب لنفسها الأصالة.
فلماذا لا نحافظ على الآثار القيمة لبداية الدعوة الاسلامية، وبيوت النبي، والصحابة، وأهل البيت عليهم السلام، لأنها ارث ديني قبل أن تكون ارث حضاري لهذه الأمة.
اضافةتعليق
التعليقات