إن قرار اختيار الشريك من أهم وأصعب القرارات، لأنّ فهم الأشخاص لا يتأتى بسهولة وبوقت قصير، وليس من السهل المجازفة لربط حياتك بحياة آخر لا تعرف صفاته أو عاداته. لذا نطرح بعض القواعد المقترحة لاختيار شريك الحياة:
القاعدة (۱): تروّى ولا تستعجل
من المشكلات التي يقع فيها البعض من الشباب والشابات المقبلين على الزواج التسرّع في إصدار قرار الموافقة على الزواج. فنجد أن الشاب بمجرد أن يتعرف على فتاة، والفتاة بمجرد أن يتقدم لها شاب طالبًا الزواج منها يتعجلان قرار الزواج بدون أدنى تأمل وتفكير، وبغير تقدير وحساب لأثر ذلك القرار في حياتهما المستقبلية والنتيجة أنهما يكتشفان بعد فترة قصيرة خطأ قرارهما، ويجد كل واحد منهما نفسه غير قادر على الاستمرار في الحياة الزوجية، فيحدث أبغض الحلال إلى الله .... الطلاق!!
وقد يكون القرار المتسرع نتيجة تهور أو تغرير أو إغراء أو انبهار أو نزوة أو الخوف من العنوسة أو القرار من بيت مشحون بالمشاكل والتعاسة أو اغتنام فرصة قد تضيع.
لكن ما يجب التأكيد عليه أن التسرع والاندفاع المجنون في اختيار أو قبول شريك الحياة يعرض الزواج والأسرة للمشاكل والانهيار السريع إذا ما اكتشف أحد الشريكين أو كلاهما خطأ ذلك الاختيار. فالتأني والتروي في اختيار شريك العمر أمر أساسي ومطلوب، لحصول التوافق بين الزوجين ولضمان حياة هادئة مستقرة وسعيدة. وليس خطأ أن ينتظر المرء أسبوعًا أو شهرًا أو أكثر، قبل أن يعطي رأيًا ويتخذ قرارًا بالزواج. لأجل أن يتعرف على الشخص الذي يريد الارتباط به، وتأسيس علاقة زوجية دائمة معه.
القاعدة (۲): تزوج التي تريد
إنّ الزواج في الواقع هو عملية شخصية بالدرجة الأولى، تخص الزوجان وحدهما، أما مشاركة الآخرين من الأهل والأقارب فهي ضئيلة ولا تذكر إذا قورنت بحصة الزوج والزوجة، إذ هما المعنيان بأمر الزواج، وهما من سيعيشان معاً عمرًا طويلًا ويتحملان تبعات الزواج سلبًا أو إيجابا، وهما كذلك القادران على تحديد المعايير والمقاييس والمواصفات التي يرغبان في توفرهما بشريكي حياتهما .
لذلك فإن قرار اختيار الزوجة هو مسؤوليتك أنت أيها الشاب وحقك وليس أبوك ولا أخوك. فما دمت أنت الذي يتزوج، وأنت الذي يتحمل مسئولية الزواج، فالقرار قرارك أنت ولا يحق للوالدين ولا غيرهما إجبارك على الزواج من بنت لا تريدها.
جاء رجل إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وقال له: "إني أريد أن أتزوج امرأة، وإنّ أبوَيّ أرادا غيرها، فقال له الإمام: تزوّج التي هويت ودع التي هوى أبواك".
وهذا لا يعني أن عليك أن لا تستشير أحدًا في اختيار الزوجة، ولكنه يعني ألّا تتزوج التي لا ترغب في الزواج منها .
وكذلك الأمر بالنسبة إليك أيتها الفتاة، فإن من يقرر الزواج ويختار الزوج هو أنت ولا يحق لأحد حتى والديك إجبارك على الزواج من رجل لا تريديه.
ونحن نعلم أن الكثير من الاختيارات التي تحمّل الآباء والأمهات مسؤولياتها قد باءت بالفشل ولم تحقق السعادة الزوجية للأبناء والبنات على السواء .
القاعدة (۳): حكّم عقلك في الاختيار
هناك فرق واضح بين القرار الذي يأتي نتيجة إعمال الفكر والعقل وبين القرار الذي يصدر تحت تأثير العاطفة والحب. فبينما يكون القرار في الأول متأنيًا وواقعيًا وواعيًا ويأتي بعد سلسلة من الإجراءات والخطوات التي يقوم بها الشخص للتعرف على شريك الحياة، وبعد الاحاطة قدر الإمكان بالجوانب الايجابية والسلبية فيه، وبعد دراسة كافة التقديرات والاحتمالات والتوقعات، يكون القرار في الثاني مستعجلًا اندفاعيًا ولا منطقيا، ويصطدم في كثير من الأحيان بالواقع.
القاعدة (٤): كن دقيقًا في الاختيار
عند اختيار شريك الحياة فتاة أو شاباً تذكر أنّك أمام نوعين من الصفات والخصائص والشروط:
النوع الأول: صفات أساسية يجب توفرها في شريك الحياة، ولا يجوز التخلي عنها بأي حال من الأحوال لعلاقتها الوثيقة بالاستقرار والسعادة الزوجية، وهي صفات الدين والخلق.
النوع الثاني: صفات ثانوية، وهي مكملة للصفات الأساسية إلا أنها ليست في نفس الدرجة والأهمية، وهي مثل المال والجمال والمستوى التعليمي والمنزلة الاجتماعية والوظيفة.
المطلوب منك حين الزواج أن تكون دقيقا في اختيارك لشريك الحياة، بمعنى أن تتحرى الصفات الأساسية أولاً كالدين والخلق وتتأكد من وجودها في الشخص الذي تريد الاقتران به.
جاء رجل إلى الإمام الحسن (عليه السلام) يستشيره في تزويج ابنته؟ فقال: زوّجها من رجل تقي فإنّه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها.
القاعدة (٥): تعرف على شريك حياتك
كلما استطاع المرء التعرف بشكل أفضل على من يريد الزواج منه كلما كانت أرضية الوفاق والتآلف بينهما لاحقاً أقوى وأمتن.
المعرفة المطلوبة عند اختيار شريك الحياة يجب أن تستوعب وتشمل أفكار الشخص ومعتقداته، وسلوكه وأخلاقه، والتزامه الديني، ومواصفاته الجسمية ووضعه النفسي والعقلي ومحيطه الأسري، وأصدقاءه ومعارفه وعلاقاته الاجتماعية وميوله واهتماماته وأعماله ونشاطاته، ومستواه العلمي والفكري..
القاعدة (٦): استشر ذوي الخبرة
مهما يصل الشاب - وكذلك الفتاة - إلى مستوى من العلم والثقافة والدراية بشؤون الحياة، فإنه يبقى بحاجة إلى استشارة الآخرين ذوي الخبرة والتجربة والاطلاع في مسائل الزواج، وبخاصة الوالدين والأهل فالشاب والفتاة بحكم كونهما في الغالب قليلي الخبرة في الحياة، ولم يخوضا تجربة سابقة في الزواج، ولأنهما كثيرًا ما يندفعا إلى عقد عرى الزوجية تحت تأثير الانبهار بناحية واحدة أو صفة معينة كجمال الخلقة أو خفة الدم أو المكانة الاجتماعية فإن ما لديهما من معرفة وثقافة، وما ينتابهما من شعور وإحساس بالحب والسعادة في زواجهما لا يكفي لضمان زواج ناجح، وحياة سعيدة، بل لا بد من معرفة أشياء كثيرة عن طبائع الرجال والنساء وصفاتهم المختلفة، وما ينبغي توفره من صفات في الطرف الآخر حين اتخاذ قرار الزواج والطريق إلى اكتشاف الصالح وغير الصالح من الأشخاص.
وهذه المعرفة لا يمكنك أيها الشاب وأيتها الفتاة في الأغلب توفيرها وحدك، بصورة صحيحة دقيقة شاملة، بل بمساعدة أهل الخبرة والتجربة في الحياة.
القاعدة (۷) : انتبه إلى هذه المؤثرات
مع أن اختيار الزوجة أو الزوج مسؤولية كلّ من الرجل والمرأة فإن قرارهما لا ينشأ من فراغ، بل له جذور اجتماعية وثقافية ودينية، ويتأثر بعوامل كثيرة من أهمها: الوالدان والأقارب والأصدقاء والدين والعادات والتقاليد ووسائل الإعلام. وكما هو مشاهد للعيان فإن تأثير هذه العوامل على اختيار الشخص لشريك حياته يمكن أن يكون إيجابياً ونافعاً ويمكن أن يكون سلبيًا وضارًا.
فوسائل الإعلام مثلاً لها دور سلبي شديد الخطورة في عملية الاختيار، يتمثل في صياغة عقول الشباب والفتيات وزرع مفاهيم وأفكار وقناعات خاطئة ومنحرفة، ينتج عنها اختيارات غير صحيحة من قبيل ما يروّج له في الأفلام والمسلسلات والمجلات من أن الزواج الناجح هو الذي يسبقه حب بين الشاب والفتاة.
كما لوسائل الإعلام دور إيجابي، عبر ما تبثه من ندوات ولقاءات تهدف إلى توجيه الشباب والفتيات إلى الأسس والمعايير السليمة للاختيار الزوجي الناجح، وتصحيح المفاهيم والأفكار الخاطئة الشائعة في المجتمع.
القاعدة (۸) : اطلب التوفيق من الله
بالرغم من أهمية العوامل المذكورة سلفاً، ودورها الكبير في نجاح اختيار شريك الحياة، باعتبارها أسباباً طبيعية مؤدية إلى ذلك الأمر، إلا أن العامل الأكبر والذي له الدور الأعظم في نجاح الاختيار، بل كلّ العوامل هي مسببات منه، يكمن في العامل الغيبي، أي إرادة الله عزّ وجل وتوفيقه وتسديده، فمقاليد الأمور وأسبابها بيده تعالى، وهو مسبب الأسباب. وقد أمرنا باللجوء إلى الله تعالى والتضرع إليه والدعاء في جميع أمور حياتنا، ومنها أمر الزواج. فللدعاء دور كبير في التوفيق لحسن الاختيار .
اضافةتعليق
التعليقات