تشغل الاحلام بال الناس منذ القدم، وحتى وقتنا الحاضر تهتم نسبة كبيرة من الافراد بأحلامهم ويحاولون ايجاد تفسير لها والتعرف على دلالتها، وقد تسبب لهم احلامهم الكثير من الحيرة والقلق.
والقرآن الكريم يذكر لنا بعض الاحلام التي كان بها دلالة دينية، والتي كان لها اثر في حياة الناس في الماضي ومن هذه الاحلام ما رآه ابراهيم عليه السلام في منامه حين رأى نفسه وهو يذبح ابنه:
(وقال اني ذاهب الى ربي سيهدين. رب هب لي من الصالحين. فبشرناه بغلام حليم. فلما بلغ معه السعي قال يابني إني ارى في المنام أني اذبحك فأنظر ماذا ترى. قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين. فلما اسلما وتله للجبين. وناديناه ان يا ابراهيم. قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين. ان هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم).
وعندما نتكلم عن الاحلام والرؤى لايمكن ان ننسى حلم فرعون مصر الذي كان في تفسير النبي يوسف عليه السلام له، انقاذ مصر من مجاعة مخربة دامت سبع سنوات، وفي ذلك يقول القرآن الكريم :
"وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ياأيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون، قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين، وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون، يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون، قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبلة إلا قليلا مما تأكلون، ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون، ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون".
تعدد الآراء في الأحلام وتفسيرها
الواقع ان هناك كتابات عديدة تعرض لآراء بالنسبة للأحلام ودلالتها وأسلوب تفسيرها، ومن أشهر هذه الكتابات ما كتبه سيجموند فرويد أستاذ علم النفس والفلسفة في كتابة تفسير الأحلام.
والواقع ان سيجموند فرويد قد اسهم في القاء بعض الضوء على جوانب معينة من الاحلام ومنها اثر الدوافع اللاشعورية على الاحلام ولكن فرويد قد تطرف في اعطاء مضمون جنسي لكل رمز يظهر في الحلم، وذلك انعكاسا لافكاره ان الدوافع الجنسية يعتبران من الدوافع الرئيسية للاحلام، وفرويد قد اعطى تركيزا كبيرا للنواحي الجنسية، واغفل الاثر الكبير للخبرات الشعورية على الاحلام، ومن نواحي النقد التي توجه الى كتابات فرويد في الاحلام انه اعتمد في ذلك على عدد قليل من احلام الناس .
وهذا يجعل الاعتماد على تحليل هذا العدد القليل من الاحلام وتعميم نتائج التحليل امرا محاطا بالمخاطر.
وهناك ايضا الاتجاه السائد في تفسير رموز الاحلام على ان كل رمز في الحلم يعني شيئا ثابتا بالنسبة لجميع الناس على اختلاف ظروفهم واحوالهم.
فرؤية الماء او نوع معين من الطعام او اخذ شيء محدد من شخص مات، في الحلم، كل رمز من هذه الرموز له دلالة ثابتة ما دام ظهر في الحلم، ومهما كانت ظروف واحوال صاحب الحلم والافكار التي تشغل باله قبل النوم، ولكن هذا الاتجاه في تفسير الاحلام ثبت عدم صحته لأن هذا التفسير يتجاهل ويغفل اثر خبرات الشخص وما يشغل باله واهدافه ورغباته على الاحلام، وهذا يجعل من المتعذر اعطاء معنى او مدلول ثابت للرموز التي تظهر في الاحلام، فالرمز الواحد الذي يظهر في احلام عدد من الناس الذين تختلف ظروفهم، قد تختلف دلالته.
خبرات الفرد الشعورية
وهذه الخبرات تشكل جزءا كبيرا من احلام الناس، وكثيرا ما تنعكس هذه الخبرات على الاحلام فتصنع الكثير مما تتضمنه هذه الاحلام.
لهذا نجد ان ما يشغل بال الفرد في حياته اليومية وفي يقظته، يأخذ طريقه الى احلامه، فالطالب كثيرا ما يحلم بالامتحانات وبالنجاح او الفشل فيه، وذلك عندما يقترب من الامتحانات، والمحب الولهان كثيرا ما يرى نفسه في الحلم في مواقف تجمع بينه وبين من يحب.
والشخص الذي يعيش حياة اقتصادية مليئة بالمصائب والمتاعب كثيرا ما تتسرب هذه المصاعب والمتاعب الى احلامه، وقد يرى في احلامه فرجا قريبا، وحلولا سعيدة لمشكلاته المختلفة، ولكن لا تظهر خبرات اليقظة في الاحلام بنفس الشكل والصورة والمضمون، فقد يشملها التغيير والتعديل واحيانا التشويه .
وقد تنعكس خبرات اليقظة والحياة اليومية على الاحلام وتظهر بصورة رمزية.
والواقع ان كل فرد قد شهد احلاما زاخرة بخبرات وموضوعات كانت تشغل باله في يقظته، وفي فترة ماقبل النوم.
دوافع الفرد اللاشعورية
فالفرد قد يقوم بكبت الخبرات المؤلمة التي تسبب له الما او خجلا او شعورا بالذنب، وعادة ما تغوص هذه الخبرات المؤلمة في اللاشعور بحيث ينساها الفرد تماما.
ولكن هذه الخبرات اللاشعورية المكبوتة قد تطفو على السطح في بعض الاوقات لكي تجعل الفرد يسلك او يتصرف بطرق شاذة في حياته، وكثيرا ما يدهشني هذا السلوك وهذه التصرفات الشاذة للفرد ويعجب لها ولا يجد لها تفسيرا منطقيا يرضيه، كما ان الفرد لا يستطيع ان يتخلص منها، مثل هذه الدوافع اللاشعورية، وذلك عن طريق تحليل احلامهم تحليلا علميا مناسبا.
رغبات الفرد وحاجته واتجاهاته العقلية
كثيرا ما تؤثر رغبات الفرد وحاجاته على احلامه، وتكون جزءا من محتويات ومضمون هذه الاحلام، فالشخص الذي يرغب في شيء معين ويتمنى الحصول عليه، قد يتحقق له ذلك في الحلم فيرى هذا الشيء بين يديه وكأنه اصبح حقيقة واقعة.
وكثيرا ما تنعكس مواقف الفرد من الناس والاشياء وتشكل اجزاء من احلامه.
فالطفل الذي يكره اخاه الاصغر لأن هذا الاخير قد استحوذ على حب واهتمام وانتباه والديه، وحرم بذلك الطفل الاكبر مما كان يتمتع به من قبل، هذا الطفل الاكبر قد يحلم بأن اخاه الاصغر قد اصيب بمكروه او انه قد مات، وفي ذلك تنعكس اتجاهات الطفل الاكبر السالبة نحو اخيه على بعض احلامه.
مخاوف الفرد
كثيرا ما تأخذ مخاوف الفرد طريقها الى احلامه بصور واشكال كثيرة.
فمثلا الفرد الذي يتعلق تعلقا شديدا بأبيه ويعتمد عليه في نواح كثيرة، ويحب والده حبا جما، قد يرى في الحلم اباه وقد مات، وهذا يعتبر انعكاسا لمخاوف الفرد صاحب الحلم تجاه والده، وقلقه من ان يصيب هذا الوالد مكروه.
الادراك الحاضر
قد يؤثر الادراك الحاضر لصاحب الحلم على احلامه، فالالام المعدة اثناء النوم قد تنسج في احلامه بصورة من الصور.
قد تأتي بعض الاحلام بحلول لمشكلات الفرد التي تشغل باله في اليقظة. وقد تكون هذه الحلول معقولة ومنطقية وقد تكون بعيدة عن الواقع او قد تكون غير عملية.
فالنواحي السابقة لها تأثيرها على احلام الفرد وهي تشكل جزءا كبيرا من مضمون هذه الاحلام، ويتجه الكثير من علماء النفس المتخصصين في مجال الاعلام على اعتبار الحلم نوعا من التفكير.
وقد لا يكون هذا التفكير منطقيا ومرتبا في كل الاحوال .
فالاحلام عادة ما تظهر في صور بصرية وحتى النواحي المجردة او المعنوية التي تتضمنها الاحلام فتظهر في الحلم بصورة ملموسة محسوسة على شكل صور حسية.
فركوب الطائرة قد يرمز الى رغبة الفرد الخروج بسرعة من مشكلات يعاني منها في حياته او يرمز لرغبة صاحب الحلم في الهروب من واقع مؤلم غير سار. والعربة التي يجرها حصان في الحلم قد ترمز للبطء وهكذا.
متى تبدأ خبرة الفرد بالاحلام
الواقع انه لم يثبت بالدليل القاطع السن التي يبدأ الفرد فيها رؤية الاحلام اثناء نومه، وذلك بسبب الصعوبات التي يواجهها الباحث في هذا المجال، ومنها عدم قدرة الاطفال، وخاصة قبل ان يبلغوا الثالثة من عمرهم، على ان ينقلوا لغيرهم حقيقة ماقد يرونه من احلام نظرا لعدم نموهم العقلي واللغوي الكافي للقيام بهذه المهمة.
ولكن يمكن القول بأن بداية خبرة الفرد بالاحلام الحقيقية تبدأ بعد العام الثاني من عمره عندما يصل الطفل الى قدر مناسب من النضج العقلي.
ولكن معظم احلام الاطفال في هذه السن المبكرة عادة ما تكون صورا ذهنية بسيطة غير مركبة وقصيرة.
كما ان هذه الاحلام ترتبط باشباع حاجات الطفل العضوية كالمأكل والمشرب واشباع حاجاته النفسية كالحاجة للأمن.
واحلام الطفل عادة ما تكون محدودة ايضا باطار خبراته ورغباته، وكلما تعددت هذه الخبرات والرغبات انعكس ذلك على شكل تنوع اكبر في الاحلام. وكثيرا ما ينعكس محتوى حلم الطفل الصغير على ملامح وجهه وهو نائم.
فقد يبتسم اذا كان الحلم سارا ومحببا، وقد يقطب جبينه اثناء النوم اذا تضمن الحلم شيئا يزعج الطفل او يقلقه.
ويقول الباحثون كثيرا ما يكون الفرد منشغلا في احلامه بايجاد حلول لمشكلاته وللصعوبات التي تواجهه، وقد ينجح الفرد احيانا في الوصول الى بعض الحلول لهذه المشكلات والصعوبات التي تواجهه في حياته.
فالفرد الذي يقابل مشكلة معينة في حياته تعرضه لصراع نفسي شديد، قد يجد في احد احلامه ما يوجه سلوكه بعد اليقظة ويساعده على ايجاد الحل المناسب للمشكلة.
ويرى بعض علماء النفس والباحثون في مجال الاحلام ان تفسير هذه الظاهرة يقوم على اساس ان الفرد عندما ينام يكون عقله الباطن مشغولا بالمشكلة التي تواجهه في يقظته، ويؤدي استمرار النشاط العقلي اثناء النوم بصورة من الصور الى توصل الفرد الى بعض الحلول التي تكون مناسبة عندما يستخدمها الفرد لمواجهة المشكلة التي يعاني منها.
الترويح عن طريق الاحلام
بين الدارسين لموضوع الاحلام من يرى بأن الاحلام تقوم بوظيفة الترويح عن صاحب الحلم.
وقد لاحظ هؤلاء الدارسين انه في حالة النوم بلا احلام يستيقظ الفرد متعبا ومكتئبا، بعكس ما يحدث بالنسبة للفرد عندما يقوم من نوم مليء بالاحلام المتنوعة.
فالاحلام تقوم بوظيفة الترويح عن الفرد وذلك عن طريق مشاهدته اثناء النوم لفلم طويل مليء بالاحداث والصور البصرية.
وحتى بالنسبة لبعض الاحلام المحزنة او التي تتضمن قدرا كبيرا من الانفعال فانها تقوم بدورها في الترويح عن الفرد شأنها في ذلك شأن فلم حزين يستمتع الفرد بمشاهدته بالرغم مما يتضمنه هذا الفلم من نواح غير سارة ومحزنة.
ويبقى موضوع الاحلام من الموضوعات الغريبة المحيرة، ولكن مازال هناك الكثير من الجوانب المتصلة بالاحلام والتي تحتاج الى مزيد من البحث والدراسة والتقصي حتى يمكن القاء الضوء على بعض هذه الجوانب التي حيرت الانسان منذ الاف السنين.
اضافةتعليق
التعليقات