يشكل الحزن والكآبة والسوداوية، وانسداد الأفق إلى حالة الطلاق، إن للطلاق وجه آخر رغم كل ما يفرزه من آهات ودموع بيد وأحزان في يد آخرى وأحيان كثيرة مع وجود فرصة أخرى للعودة من جديد بعيدا عن تلك الثغرات التي جعلت العسل خلا فلابد من وجود فرصة للخروج من نكد الحياة الزوجية التي تكتنفها الخلافات العاصفة، ويسودها اشفاق البغيض، هي حياة نكدة، لا سعادة فيها، تجلب لأصحابها الشقاء والأمراض النفسية، وربما الوقوع في المحاذير والمعاصي والحرمان العاطفي.
إن مثل هذه الحياة الزوجية لا تليق بكرامة الآدميين، وقد أرادها الله عز وجل سكناً ومودة ورحمة، فإذا انعدمت كل فرص لا تتعجل الطلاق.
الإصلاح مازال موجودا فلا مناص من التفرق والانفصال، ولولا ذلك لمَ الأبحاث والشريعة المقدسة تعد الطلاق فيه من مبغوضية فقد روي عن الرسول الأكرم محمد قوله: "ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق".
فرصة لتقويم الذات
لا يعني الفشل بالحياة الزوجية، الفشل في كل الحياة، إذ الحياة الزوجية جزء من حياتنا، وليست كلها ولكن ينبغي علينا في نفس الوقت، أن نقر بوجود مشكلة ما من جهتنا، فلا يجوز تحميل الطرف الآخر كل المشكلة، الفشل لا يتحمله طرف واحد بعينه، بل يمكن أن تكون نسبية الفشل إلى الآخر مرتفعة جداً، لكن ذلك لا يعفينا من مسؤولية الفشل، ولا يُرى ساحتنا بشكل تام، فنحن نتحمل مسؤولية الفشل ولو بنسبة ضئيلة، وبالتالي فإن علينا أن نعيد تقويم حياتنا من جديد، ولكن ليس على قاعدة الشعور بالضعف، وفقدان الثقة... فكل الناس يتصفون بنقاط ضعف، وهم ليسوا ملائكة، إنهم بشر من لحم ودم، ونحن منهم، ولسنا من خارج كوكبهم، وأيضاً ليس على قاعدة تزكية النفس، والاعتداد بالذات وتجاهل نقاط ضعفها...
الوجه الآخر للطلاق
(فَلَا تُرَكُوا أَنفُسَكُمْ) ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه، ولن يحالفه الفلاح أبداً.
النقاط على إن وجع الطلاق وآلامه يوقظ فينا الوعي بالذات ومكنوناتها، التعرف أكثر على أنفسنا ولنفتش في دواخلنا لنضع الحروف، ونتحدث بكل صراحة وشفافية مع النفس للوقوف على نقاط الضعف، انطلاقاً من تجربتنا الإنسانية التي وصلت إلى طريق مسدود وحتى تحقق التغيير والتحول المنشود علينا أن نتحلى بشجاعة وتواضع، وتوازن نفسي في نقد ذواتنا، كي نحصل على نتائج مفيدة نوظفها لصالح مستقبلنا الآتي.
(يغني كلاً من سعته) في خضم الأفكار السلبية عن الطلاق، والمخاوف التي تدور في ذهن الأزواج عن المستقبل... من انسداد للأفق، قلق في خضم كل ذلك يأتي الذكر الرباني كاسراً رهبة اللحظة مخاوف المستقبل، ليفتح نافذة أمل للأزواج المثقلين بالهموم العموم !!، وليذكّرهم أن الطلاق ليس نهاية الحياة، وليس هو نفق المظلم الذي لا نور في آخره، فنهر الحياة يتدفق، ولن ينتهي النجم .
لا تتعجل الطلاق
عند بؤس الطلاق، ولن يعدم الزوجان المفترقان أفقاً جديداً ورزقاً واسعاً، وحياة سعيدة، فلا محل لليأس والقنوط، ولا للحزن والاكتاب مادام الله في عون عباده..
أليس هو عز وجل القائل: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلَّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ).
تقول سيدة مطلقة: عشت صدمة الطلاق.. انقطعت عن كل أحد، دخلت في كآبة حقيقية، فقدت الكثير من وزني، وأصبحت نحيلة الجسم، وأصابني أرق دائم. وفي صبيحة يوم من الأيام وعندما كنت أسكن نفسي بتلاوة آيات الذكر الحكيم وقع نظري على هذه الآية الشريفة... (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلَّا مِنْ سَعَتِه ).
وقتها وقفت عند هذه الآية متديرة، وأعدت قراءتها مراراً وتكراراً.. وجدت بعدها نوراً يتسرب إلى داخلي ببطئ.. أخذت نفساً عميقاً.. شعرت بعده وكأن حياة جديدة دبت في كياني حمدت الله عزّ وجلّ بعدها على هذا التوفيق الرباني الذي استوعبت بفضله دلالة الآية الشريفة، وقلت من أعماقي بصوت منتفض، إن الله لن يتركني وحيدة.. ضعيفة يائسة متأزمة، وهو يعدني بالعون والمساعدة، إنه واسع العطاء عليم بأحوال عباده.
لقد كانت لحظات تحول عميقة في حياتي، وأدركت حينها أن علي أن أشق طريقي في الحياة بعنفوان جديد.
لقد تخرجت من الجامعة، وبدأت أعمل في المستشفى كأخصائية اجتماعية، وعند الطلاق لم أكن أحمل مؤهلاً جامعياً.
اضافةتعليق
التعليقات