مع تزايد وتنوّع حالات الطلاق، ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، يتم طرح الكثير من التساؤلات والبحث عن مسببات لتلك الظاهرة. حيث أصبحت الحاجة ماسة لتكاتف جميع مؤسسات المجتمع وأطيافه لمواجهة هذا التحدي المجتمعي الخطير، لما له آثار على الأسرة والمجتمع. ولكل اهمال نتائج وخيمة فما بالك إذا كانت تلك الآثار هي هدم لذات الجيل، فالأبناء هم الضحية الأساسية في الطلاق.
فنجدهم عرضة للصدمات النفسية عند رؤيتهم لشجار والديهم وماينتج عنه من آثار بعد تغير دار السكن الذي كان الحصن الآمن لهم، والاستقرار العائلي في كنف رعاية الوالدين، بعد أن ينتهي بهم المطاف التنقل من دار إلى دار آخر، بعد الانفصال، مما يدخلهم في حالات مزاجية متقلبة عدة منها التوتر والقلق، وتقلبات المزاج والتهيج، والاكتئاب، وقد نجد لديهم سلوكيات سلبية تتصف بالعدوانية، ومشاكل في العلاقات وصعوبة الانسجام مع ضعف الثقة بالنفس. وتدني التحصيل الدراسي، بسبب الإهمال والرقابة بعد تفريق الوالدين، وقد يتعرفون على أصدقاء أصحاب سلوكيات سيئة، دون موجه أو رقيب، مما يؤثر على أخلاقهم بشكل سلبي.
المسكوت عنه في زيادة الطلاق:
بعد تزايد أعداد حالات الطلاق في الآونة الأخيرة، بدت تشكل مصدر قلق للشارع وللباحثين، في هذا المجال، تم طرح تساؤلات عدة في تلك الزيادات، والمسببات لتلك الآفة التي بدأت تنخر المجتمع، وتهدم الأسر. حيث يلاحظ المختصون في الشأن القانوني والإجتماعي، بالإضافة إلى الأسباب المعروفة للتفريق، أنَّ وسائل التواصل الإجتماعي واستخدامها السيئ يبرز أثره في مشكلة الطلاق وزيادته بشكل كبير، من خلال تحول العادات والسلوكيات في المجتمع؛
حيث إنَّ انتشار عيادات التجميل النسائية، والترويج لها عبر وسائل التواصل الإجتماعي، والتي أصفها بـ(مصانع الجمال)، أدت إلى أن يقارن الرجل زوجته مع أخريات، وشخصيات إعلامية أو بعض الفنانات، وعدم مراعاة شعور الزوجة، فتكون الشرارة الأولى بين الزوجين سببها التنمر بين الزوجين، والتنكيل بالكلام والألفاظ البذيئة التي وصفها بعض القضاة الطلاق لأسباب تافهة.
بل يعد موقع التواصل سبباً في زيادة انتشار العلاقات السرية، والنادر منها يتوج بالزواج، فتكون سبب تلك الزيجات الناتجة من الواقع الافتراضي في تفكك بعض الأسر. أمّا انتشار ظاهرة النساء المدونات، اللاتي يطلق عليهن بـ(الفاشونيستا أو الموديلز)، وانفتاحهن في المجتمع، أدت لتمرد بعض النساء على أزواجهن بدون إدراك لماهية هذه الحالة، وما تسببه من تفكك للأسرة، وظاهرة التشجيع على التمرد الخطيرة، تتمثل بمجموعات من المدونات يتحدثن عن تجاربهن الفاشلة والمحرضة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يشجعن النساء على الطلاق والخروج من قيود الزواج وما فيه من مسؤوليات، ولها تأثير كبير في تغير أفكار الفتيات وخاصة من هنَّ في عمر الزواج لذا نلاحظ زيادة حالات الطلاق محصورة في الفئة العمرية بين العشرينيات والثلاثينيات.
ومن الأسباب الأخرى الهادمة للزواج هي الارتباط الشرعي والزواج بعد علاقة وتعارف عن طريق التواصل الاجتماعي، وعدم إيفاء الطرفين بالعهود والمصداقية في تعامل الزوجين مع بعض، وغياب الوعي لدى الطرفين بكيفية التعامل مع المشكلات أو التحديات التي تواجههم، وانشغال الطرفين في تصفح مواقع الإتصال يتسبب في البرود العاطفي لكلا الزوجين، فتجد كل فرد منهما له عالمه الخاص.
كما أنَّ تغير طبيعة الجيل وأفكارهم والانفتاح الذي أثر على المجتمع بشكل كبير، والفهم الخاطئ لمحدودية الحرية، وجهل الزوجين بمعنى الزواج، وماهية أهداف الزواج، يضع الزوجان في مفترق طرق وعدم قدرتهما في حل أبسط مشكلة تواجه الزوجين. فالثقافة الزوجية ضعيفة لدى أغلب المتزوجين وأسبابها تبدأ من ضعف التنشئة بالمنزل، ومن إكسابهم المهارات والمبادئ والقيم التي تنمي الشخصية.
إلا أن الطلاق ما زال يشكل هاجسا يلقي بظلاله على المجتمع، حيث أكد عدد من المختصين والاستشاريين الأسريين والقانونيين على ضرورة تحديد أسباب الطلاق ودراستها، ومعرفة الفئة العمرية التي يحدث بينها الطلاق، وذلك لإيجاد الحلول المناسبة التي من شأنها أن تقلل نسبة الطلاق.
لابد لشبابنا المقبلين على الزواج أن يدرك، أنَّ الزواج؛ يعني تغيرا كليا في نمط الحياة، وبأن هناك زوجة تنتظرك في المنزل فلابد من أن يقدرها وأن يخصص وقتا لها ولأسرته، تنظيم الوقت ومنح الوقت الكافي للتواجد مع الأسرة، وأن لا يواصل عيش حياته وسهره مع أصدقائه مثلما كان وهو أعزب. ولابد للزوجة من احترام الزوج وحل المشاكل بروية وعدم التسرع في نهاية العلاقة الزوجية، فالطلاق أبغض الحلال عند الله. ولابد من تزويد "المقبلين على الزواج" بالثقافة الزوجية التي تمكنهم من إقامة زيجات مستقرة ومستدامة، قادرين على مواجهة مختلف التحديات.
وهناك مسؤوليات تقع على عاتق الحكومة والمشرع العراقي، في سن قوانين تعمل على رفع المستوى الثقافي للمتزوجين وعائلاتهم، وتشجع الاهتمام بالأسرة من خلال توفير نواد اجتماعية خاصة تحض على الترابط الأسري وأهميته من الناحية الدينية والاجتماعية، وتبين مدى الأضرار الناجمة عن الطلاق خاصة فيما يتعلق بالأطفال.
فهناك دول عديدة لاقت نجاحا كبيرا في دعم استقرار الأسر، عن طريق تثقيف الجيل من آثار الطلاق على الأسرة والمجتمع، ولوحظ تحجيم نسبة الطلاق في مجتمعاتهم. فضلا عن ضرورة تشريع واستحداث قوانين لردع ومحاسبة من يعمد إلى تزويج الأبناء دون السن القانونية. فالزواج وتكوين أسرة يحتاج إلى دراسة واعية تبنى على توافق الزوجين ولا تُبنى على علاقات عابرة افتراضية، حتى نضمن توفر جميع مقومات نجاح الزواج؛ فهو مؤسسة لبناء الجيل والجدار الحصين لعدم تفكك المجتمع وتطوره.
اضافةتعليق
التعليقات