رسمت أرجلها الثلاث أثر خطواتها على الأرض، نعم ثلاثة أرجل فلم يفارقها العكاز طوال رحلة مسيرها صوب قبلة العاشقين لتكون بمحاذاة سيدة الصبر زينب (عليها السلام) إنها الحاجة أم غسان من أهالي مدينة البصرة امرأة في عقدها السبعيني منحنية الظهر أبت أن تجلس في بيتها وتستظل تحت سقفه والسيدة زينب وعيال الحسين (عليهم السلام) يسيرون تحت لهيب حرارة الشمس دون ظل يحميهم وطعام يسد جوعهم وماء يروي ظمأهم فلم ينالوا في مسيرهم سوى سياط العدو تضرب بأجسادهم التي انهكها هول المصيبة..
من أنا؟
من أنا لأجلس في بيتي تحت رعاية أبنائي وزوجاتهم والسيدة زينب تسير نحو كربلاء لتزور قبر أخيها؟
بهذه الجملة استهلت الحاجة أم غسان حديثها تم استرسلت قائلة: مضت سنوات وأنا على عادتي أرافق أبنائي في القدوم إلى مدينة كربلاء سيرا على الأقدام حتى أني أرفض الجلوس على كرسي متحرك إذ أفضل أن أستعين بعكازي على ذلك لأشعر بقيمة رحلة مسيري.
فيما قال كريم الغزالي زائر من مدينة بابل: إن لرحلة المسير منزلة عظيمة تحمل الكثير من العبر والحكمة منها التكافل الاجتماعي وحب التعاون والألفة بين جميع الطوائف حيث ينقل لنا هذا السيل البشري بين سائر وخادم صورة مشرقة عن المفاهيم الحسينية التي بقيت راسخة في وجدان الموالين إلى يومنا هذا، وإنه لشرف لي أن أكون من المسجلين ضمن رحلة العشق الحسيني للسنة الثامنة.
خطوات من نور
الخطوات نحو الحسين (عليه السلام) خطوات تعجز الذاكرة عن نسيانها إذ تختزل أسمى المعاني لما تحملها من أبعاد فكرية ترمز إلى صدق العقيدة والعطاء، وللتعرف على الدلالات المعرفية لرحلة المسير في زيارة الأربعين وما لها من أثر خالد في نفوس الموالين حدثنا الشيخ عقيل الحمداني قائلا: إن من أهم القيم التي يمكن أن يذكرها زوار الاربعين في مسيرهم الملكوتي هذا هي قيمة الوفاء الذي له الدور الأكبر في بناء النسج الاجتماعي وترسيخ مبادئ وجوده وتطبيقاته التي تسهم في النتيجة ببناء الذات ومن ثم بناء المجتمعات ويضاف إلى ذلك على زوار الحسين (عليه السلام) أن يستلهموا ثقافة التراحم والايثار والصبر وبالأخص وهم يقطعون مئات الكيلومترات إلى جهة كعبة الجهاد الحسيني فمسيرتهم محفوفة بالمصاعب والمتاعب الجسدية لكن عليهم أن يوظفوا هذه القيم من أجل استمرار مسيرتهم الربانية هذه.
وأضاف: ومن الأهداف الكبرى التي يحملها زوار الأربعينية الكرام أن يرسخوا مبادئ الدين في نفوسهم وأن يستثمروا هذه الأيام الربانية في التحلي بخصال الخير وايجاد حصانة فكرية لهم ضد الشبهات التي تريد أن تسلب منهم عقائدهم الأصلية المنبثقة من القرآن الكريم وثقافة عترة النبي (صلى الله عليه وآله) فلا بأس أن يتذاكروا مع بعضهم في الطريق العقائد التي قتل من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) ودافع عنها حتى آخر قطرة دم اريقت بأرض كربلاء فالتجربة التي يعيشها زوار الأربعين تجربة دينية وأخلاقية قيمة فريدة لم تتوفر فرصتها للكثير من الأجيال المحبة والموالية لأهل البيت (عليهم السلام) لهذا لابد من استثمار كل دقيقة مع هذا المسير الملكوتي نحو كعبة الفداء بأرض كربلاء.
اضافةتعليق
التعليقات