تحطمت أحلامهم عند بوابات الأمل وسط دوامة الأوضاع الأمنية والاقتصادية التي تشكل مفصل مهم في تسهيل الأمور الحياتية. منهم من تسرب اليأس لقلبه فلم يعد بمقدوره اكمال مسيرة الحياة المضنية فاختار طريق السفر إلى مصير مجهول في بلاد الغربة ليعمل ويكدح ليواكب متطلبات الحياة التي ترتفع يوما بعد يوم حتى أصبح اللحاق بها يقطع الأنفاس وأولها المغالاة بمهر العروس إن أراد الاقتران بزوجة تشاطره الحياة والذي يعد حق شرعي غير أنه تجاوز واقعنا الاجتماعي..
حتى أمسى أغلب الشباب عازفين عن الزواج وذلك لعدم مقدرتهم على اكمال نصف دينهم الذي حث عليه القرآن وسنة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) كما أصبحت هذه القضية الاجتماعية مشكلة تهدد بالعنوسة لكلا الجنسين..
(بشرى حياة) كانت لها هذه الجولة الاستطلاعية للتقصي حول هذه القضية..
شروط تعجيزية
بدايتنا كانت مع الشاب أحمد عواد التميمي حدثنا قائلا: أصبحت متطلبات الزواج تحت مسمى آخر وهو الشروط التعجيزية فبعد رحلة الدراسة والعمل وأحيانا يجتمعان الاثنان معا فهناك من يعمل ويدرس في الوقت نفسه يصدم بتفاصيل الزواج ومتطلبات الأهل والعروس.
وأضاف: أنا غير معترض على ذلك بشكل قطعي فهو حق شرعي وهو تأمين حياة ابنتهم والاطمئنان عليها من كل الجوانب.
ولكن في ظل الظروف القاسية وعدم توفر فرص العمل باتت فكرة الزواج عبئا يحتاج إلى خطة عمل طويلة المدى مما لا يقدر الشاب أن يخطيها لكونه مازال بخطواته الأولى نحو الحياة.
لذا يختار العزوف عن الزواج او السفر وهنا تكون المشكلة قد توسعت مداركها حيث تتفشى مشكلة العنوسة للجنسيين.
أحلام مؤجلة
مضت السنوات وأنا أرى ابنتي تذبل يوما بعد آخر لا أدري هل أؤمن بالقدر وأن نصيبها لم يحن بعد أم أؤمن بما يقوله لي الدجالين فأسعى لفتح نصيبها أو غير تلك الأعمال التي لم تجدي نفعا حتى عندما رحت اتبعها لأجل أن أرى ابنتي عروسة تعيش في بيت زوجها.
هذا ما استهلت به أم فاطمة 55 سنة حديثها وتابعت قائلة: كلما تقدم شاب لخطبة ابنتي كنت أرفض لسبب أن تكمل تعليمها ولكونها الوحيدة بين اشقائها الصبيان، لهذا كنت أتمنى لها الأفضل في اختيار شريك حياتها، ولا أنكر باني بالغت في طلباتي بما يتعلق بالمهر وتوفير سكن مستقل وتجهيزه بما يلزم، إلا إن ذلك من حرصي وخوفي ولكن بسبب ما اقدمت عليه أصبح العديد من الشباب يتجنبون خطبتها حتى تقدمت بالعمر وبدأ القلق يعتريها بأن تصبح عانسا، وبات حلم زواج ابنتي حلما مؤجلا يراودني كل حين.
التكافؤ الاجتماعي
لم يتوقف الأمر بالمطالبة بمهر خيالي بل أخذ التكافؤ الثقافي له دور أيضا فإن كانت العروس لها شهادة جامعية يجب أن يكون الشاب يملك نفس المؤهل وإلا لن يكون جديرا بها.
يقول أثير سلمان خريج معهد محاسبة: لم يتسنَ لي الحصول على عمل في القطاع الحكومي، لذا أنشأت مشروعا صغيرا وهو أسواق لبيع المواد الغذائية وغيرها.
وحينما أردت الزواج رفض ذويها تلك الزيجة وذلك لأن شهادتي لا تناسب شهادة الماستر التي حصلت عليها مؤخرا في القانون.
وبعد اقناع ذويها تمت الموافقة ولكن بعد أن أدفع مهر قدره (20) مليون دينار ومؤجل بقيمة (40) مليون دينار!، لربما يرى البعض أن المهر بسيط ولكنه يفوق قدرتي.
انتهت الخطبة بقرار اغلاق محلي والهجرة لخارج البلاد لربما أجد فرصة عمل تزيد من دخلي وتحسن من وضعي المعيشي في ظل الظروف التي نعيشها.
وترى بسمة جاسم/ طالبة جامعية أن المهر ليس ذات أهمية بالنسبة للفتاة التي تبحث عن الاستقرار والارتباط والأهم الأخلاق التي يتمتع بها الشاب الذي سيكون زوجها وأب لأبنائها إن كانت تبحث عن رجل يحافظ عليها ويصونها ويوفر لها كل ما تبتغيه .
ومن جهته يقول هاشم ناجح 28 سنة / عسكري: الغلاء ليس فقط في مهر العروس وتكاليف الزواج بل أصبح موجودا بشكل عام في الحياة نظرا للظروف التي نعيشها لهذا يفكر الكثير بعدم الزواج وتحميل نفسه مسؤولية كيان أسرة وهو بالكاد يعيل نفسه.
وأضاف: إن شح فرص العمل وانتشار البطالة في صفوف الشياب حتى الخريجين والأوضاع الصعبة التي فرضت علينا أدت لعزوف الشباب عن الزواج وبالتالي يكون التأثر من كل الجوانب أولها الشاب وثانيها الفتاة.
رؤية اجتماعية
وفي الختام كانت لنا وقفة مع الباحثة الاجتماعية دلال الخزاعي قالت من خلالها: لاشك ولاريب أن مسألة ارتفاع المهور من المسائل الابتلائية التي يعاني منها معظم الشباب وخاصة بعد أن طغت النظرة المادية على المجتمع وأصبح التعامل وفق المقاييس المادية وبالمقابل أُهملت الجوانب الأخرى التي ينبغي أن تسود في الأروقة المجتمعية، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها الشاب المقبل على الزواج والتي تمثل عقبة تقف في طريقه بيد إنه كان من الواضح دائما على طول الخط التاريخي الطويل، أن كثرة المهر وكثرة الزواج يتناسبان تناسبا عكسيا ولا يمكن أن يجتمعان.
وتابعت: ويجب الالتفات لنقطة مهمة وهي إن زاد المهر قل الزواج وإن قل المهر زاد الزواج باعتبار الكثرة من عسر التحصيل وتكليف في البذل لا يقدر عليه إلا جملة من أهل الثروة واليسار ومن ثم يبقى الافراد في المجتمع من متوسطي الحال فما دون ممن هم في حاجة إلى الزواج يعانون من هذه العقبة الكؤود. ولنا في رسول الله وآل بيته الأطهار (عليهم السلام) أسوة حسنة فعد قلة المهر من مكارم الأخلاق وبذلك قال الإمام علي (عليه السلام): "لا تغالوا بمهور النساء فتكون عداوة".
ختمت الخزاعي حديثها: إن ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج خطيرة جدا وتزايدها عن الحد الطبيعي يؤدي إلى مخاطر وعواقب وخيمة تؤثر على الأسرة والمجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات