إن الإنسان بطبيعة حاله يكون اجتماعياً ويشعر بالسعادة عند الوجود في مجموعات كبيرة، كالمهرجانات والاحتفالات والمناسبات العامة، فطبقا لفرضية "العقل الاجتماعي" فإن الدماغ يدعم هذه التفاعلات الاجتماعية. كما أظهرت الدراسات أن الانتماء إلى المجموعة من شأنه أن يحسن من رفاهة الإنسان ويزيد من معدل الرضا عن الحياة.
ولكن كثيرا من البشر اليوم يعانون من الوحدة أو العزلة الاجتماعية. فإذا كان دماغ الإنسان قد يؤازر بالفعل التفاعلات الاجتماعية، فإنه من المتوقع حتما أن تؤثر العزلة بشكل كبير على دماغ الإنسان.
مفهوم العزلة الاجتماعية
وهي أحدُ أنواعِ الأمراضِ النفسيَّةِ المجتمعيَّةِ الشائعةِ، وتعني غياب علاقاتِ الشخصِ مع أفرادِ مجتمعهِ ورغبتهِ في التخلصِ من كل الأشخاصِ حولهِ، والاكتفاءِ بذاتهِ بعيدًا عن أفكارِ وآراءِ الأشخاصِ الآخرين، وهو شعورٌ غير مرغوبٍ فيهِ يؤدي إلى عزوفِ الشخصِ عن مقابلةِ النَّاسِ أو التواصلِ معهم والاتصالِ بهم والاختلاطِ بمشاعرهم ومواقِفهم وحياتِهم.
أنواع العزلة الاجتماعية
هناكَ نوعانِ للعزلةِ الاجتماعية وهي كالآتي:
1- العزلة الإيجابيّة: وهي العزلةُ التي تعودُ بالنفعِ على الفردِ، وتتمثل في الخلوةِ مع النَّفسِ وإعادة الحسابات وخلقِ أجواءٍ خاصَّةٍ واتخاذ قراراتٍ حاسمةٍ، والابتعاد عن السلبياتِ والإحباطِ والفشلِ.
2- العزلة السلبيَّة: وهي التي تضرُّ الفردَ وتتمثل في التهورِ في اتخاذِ القراراتِ وتباطؤ التواصلِ مع الفاعلين في القرارِ والترددِ والتبريرِ الدائمِ.
أسباب الميل إلى العزلة الاجتماعية:
تتعدد الأسباب التي تجعل الشخص يتجنب الإندماج مع الأشخاص من حوله ويفضل البقاء بمفرده، وتشمل:
1- اعتياد الشخص على الوحدة من الصغر
فعندما ينشأ في بيئة غير اجتماعية سوف يصبح أكثر ميلًا وتعودًا على العزلة، ويزداد الأمر إن كان أحد الوالدين يتمتعان بالصفة ذاتها، أو كلاهما.
2-عدم الثقة بالنفس
من أهم أسباب الميل إلى العزلة والانطواء والتي تجعل الشخص يتجنب التواصل الاجتماعي مع غيره ولا يفضل التواجد في الجلسات مع الأصدقاء هي أن لديه مشكلة عدم ثقة في ذاته.
وقد ينشأ هذا منذ الصغر إذا كان لدى الطفل مشكلة أو عيب ويقوم الأطفال المحيطين بالتنمر تجاهه، فتهتز هذه الثقة ولا يشعر بالراحة إلا إذا كان بمفرده.
3. الانشغال بمواقع التواصل الاجتماعي
من الأمور التي سببت للكثيرين الميل إلى العزلة والانطواء هي انشغالهم بمواقع التواصل الاجتماعي وهذه الحياة الافتراضية التي تساعد في الترفيه عن النفس بالعديد من السبل.
فقد ساهمت هذه المواقع بشكل كبير في القضاء على الحوارات والأحاديث المتبادلة بين الأشخاص وخاصةً في محيط الأسرة، فكل فرد فيها يجلس أمام الجهاز الذكي ليقضي معظم وقته في هذا الأمر.
4- الإصابة بالقلق والتوتر
والذي قد يؤدي إلى الاكتئاب نتيجة ضغوط الحياة أو الاصطدام في شخص وغيرها من الأسباب، حيث يزداد الشعور بالقلق والضيق ويسبب آثار نفسية عديدة وبالتالي تفضيل الجلوس منفردًا والميل إلى العزلة والانطواء.
5- انفصال الأب والأم
عندما يشعر الابن بأن هناك مشاكل عديدة بين الوالدين والتي قد تصل إلى الانفصال، سوف يميل للعزلة والانطواء ليهرب من هذه المشاكل لأنه لا يريد المواجهة.
6- عدم القدرة على التواصل
فبعض الأشخاص لا يملكون القدرة على تبادل الحديث مع غيرهم بطلاقة ويميلون للصمت في معظم الأوقات، ولذلك يفضلوا البقاء بعيدًا عن تلك المواقف وقد يرجع هذا إلى التربية أو قلة الثقافة والتطلع.
7- المعاناة من مشكلة ما
مثل فقدان عزيز بسبب الوفاة، أو الخيانة الزوجية وحدوث الطلاق، أو فقدان الأموال والإفلاس، فهذه الصدمات القوية تجعل المصاب بها يبتعد عن الأجواء المحيطة التي اعتاد أن يتواجد بها.
وقد يكون الميل إلى العزلة والانطواء هنا أمر مؤقت، وذلك في حالة مدى عزيمة الشخص وقدرته على تجاوز المشكلات.
8- الوصول إلى مرحلة المراهقة
يميل بعض المراهقين إلى العزلة والانطواء خلال هذه المرحلة نتيجة التغيرات التي تحدث في شخصيته ونمو جسمه، حيث تحدث اختلافات في الهرمونات يمكن أن تسبب شعورًا بالتوتر مما يدفعه للبقاء بمفرده.
أعراض العزلة الاجتماعية
هناكَ مجموعةٌ من الأعراضِ التي تظهرُ على الشخصِ المصابِ بالعزلةِ الاجتماعية منها ما يأتي:
1- سيطرةُ الأفكارِ التشاؤميَّة على التفكيرِ.
2- تَقلب المزاجِ.
3-عدم الاهتمامِ بالنفسِ وبالنظافة الشخصيَّةِ.
4- فقدان الشهيَّة.
5- الصمت في أغلب الأحيانِ وعدم الخوض في نقاشات.
6- الشعورِ بالتوترِ والانزعاجِ من التجمعات.
7- الإصابة بتغيراتٍ مزاجيَّةٍ دونَ معرفةِ أسبابِ هذه التغيرات.
8- افتقار الذكاءِ الاجتماعيِّ وعدم القدرة على التواصلِ مع الأشخاصِ المحيطين.
9- الصداع في معظم الأحيانِ والشعورِ بالخمولِ.
10-التدخين بشراهة، وتناول المواد المخدِّرةِ.
11- السلوك العدوانيّ وقلّة الثقة بالنفسِ والميولِ للانتحارِ.
الآثار السلبية للعزلة الاجتماعية
هناكَ بعضُ الآثارِ السلبيِّةِ التي قد تؤثر على صحة النفسِ والجسدِ منها ما يأتي:
الإصابة بالاكتئابِ وصعوبة النوم. وزيادةُ خطرِ الإصابةِ بالجلطاتِ الدماغيَّة وأمراض القلب التاجيّة.
وضعفُ وظائف القلبِ والأوعيَّة الدمويَّة وضعف جهازِ المناعةِ في الجسم، ووجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو الأميركية أن البقاء بمفردك معظم الوقت قد يسهم في انخفاض القدرة على أداء المهام اليومية، إذ كان 59% ممن شملتهم الدراسة أكثر عرضة ليجدوا المهام اليومية، مثل صعود السلالم أو المشي، أكثر صعوبة.
كما قد تضر العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة بصحة الدماغ، إذ تم ربطهما بضعف الوظيفة الإدراكية وزيادة خطر الإصابة بالخرف (بنسبة تبلغ 50%)، بما في ذلك مرض الزهايمر.
ويعاني الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة من ألم عاطفي، ويمكن لفقدان إحساس الاتصال بالمجتمع أن يغير الطريقة التي يرى بها الفرد العالم، كما يمكن أن يشعر الشخص الذي يعاني من الوحدة المزمنة بالضعف وعدم الثقة بالآخرين.
وقد ينشّط الألم العاطفي استجابات الإجهاد ذاتها في الجسم مثل الألم الجسدي، وعندما يحدث على مدى فترة طويلة من الزمن يمكن أن يؤدي إلى التهاب مزمن وانخفاض في المناعة يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، وفق موقع جامعة "نيو هامبشاير" (New Hampshire) الأميركية.
علاج العزلة الاجتماعية
في سبيل تحقيق علاج العزلة الاجتماعية قام الخبراء بوضع حلول لمشكلة العزلة الاجتماعية عند عامة الناس لكي يتم تجنيبهم ووقايتهم من الأعراض والمخاطر والمضاعفات الناجمة عن الوقوع في هذه المشكلة، وفيما يأتي أبرز الحلول المقترحة لعلاج العزلة الاجتماعية:
الاعتراف بالمشكلة: تشتهر أغلب الدول الغربية بتمجيد المبادئ الفردية علاوةً على المبادئ المجتمعية، حيث يدفع ذلك الأفراد للاعتماد على أنفسهم بشكل كبير إلى حد العزلة والانطوائية، ولعلاج هذا الأمر يجدر بدايةً الاعتراف بوجود العزلة والإصابة بها، وبعد ذلك علاجها من خلال الحث على التواصل مع الآخرين وبناء العلاقات الجديدة في المجتمع، والانخراط بمختلف الأنشطة الاجتماعية؛ مثل التطوع الاجتماعي.
تجنب وسائل التواصل الاجتماعي: ينجذب العديد من الناس إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بهدف بناء علاقات صداقة جديدة وعلاج مشكلة الوحدة والعزلة، ولكن تعد وسائل التواصل الاجتماعي ذات تأثير سلبي في حل هذه المشكلة، وإنما قد تساهم في زيادة العزلة الاجتماعية لدى الفرد.
الاستعانة بالحيوانات الأليفة: قامت أحد الدراسات بالتوصل إلى أنَّ امتلاك أحد الكلاب؛ يعد أحد عوامل تقليل خطر الموت المبكر، وخاصةً لدى الأفراد المصابون بالعزلة الاجتماعية.
تقبل الوحدة واستغلالها: بوسع الأشخاص الذين يُعانون من العزلة تحويل المشكلة لديهم إلى ما يخدم مصلحتهم من خلال استغلال العزلة في دراسة طرق التأمل الروحية والذهنية، أو تطوير واختراع المهارات الجديدة، أو استغلال الوقت في الاستمتاع بأمور أخرى؛ كالمطالعة. تتميز العدوى بالقدرة على الانتشار والتفشي بصورة مشابهة كليًا لتفشي العدوى، إذ ليس غريبًا أن يشعر الأصدقاء لدى الشخص المنعزل بالعزلة الاجتماعية بعد فترة ما.
اضافةتعليق
التعليقات