السابع من محرم، الساعة العاشرة مساءً..
يا إلهي هاتفي تكاد تنفذ بطاريته!، اظلّمت الشاشة، لا أريد أن أفوت هذه اللقطة الثمينة..
صراع وحرب مع هاتفي قضيته في إحدى ليالي شهر محرم، لو تعطل في أيام السنة كلها لم أكن لأبالي، ولكن هذه الليلة لا!.
العرق يتصبب من جبيني، لا أعلم أين تقف أمي الآن، الجو شبه خالي من الأوكسجين نتيجة الزحام المفرط، تكاد الأنفس أن تختنق، المصابيح أغلبها مطفأة وأخرى أنيرت لنرى طريقنا..
وفي وسط هذا الزحام وقفت امرأة ذات هيبة إلى جانبي وقالت لي شيئاً بصوت خافت، شعرت أنها تحمل في قلبها حبا كبيرا، حب لا تستطيع حمله الجبال الرواسي، كان الحب ينبعث من نبرتها المختنقة، فقلت لها: عذرا لا أستطيع سماعكِ، بعدها تقربتْ بخطوات أخرى وجلست نصف جلسة، همست في أذني: "لا تدعي أحد يأخذ هذا الكيس إنه أمانة عندكِ!".
كانت تحمل كيسا كبيرا أسود اللون ممتلئا لنصفه تقريبا، وكررت: أتوافقين إن وضعت هذا الكيس أمانة عندكِ؟، لم أعتد أن أرد أحدا فقبلت بكل حب.
تساءلت: لماذا لهذا الكيس هذه الأهمية، ولماذا وصفته بالأمانة!! لماذا لا تريد أن أعطيه سهواً لأحد؟
بقيت عيني تراقبها، ذهبت لتشرب (استكان شاي) علها تقاوم تعبها ونعاسها الراقدين تحت أجفانها المحمرّة من البكاء، وأنا أحاول التخفيف من الحر الذي يحيطني بشرب كوب من الماء، خشيت أن أفرط بالأمانة فأخذت أسحب الكيس بيدي الأخرى لأقربه، فُتحت فوهة الكيس سهوا لعدم اتزان جانبيه وإذا بي أرى نفايات!!
نفايات! لماذا أمنتني هذه المرأة على نفايات! ما قيمتها؟!
عادت لي بعد دقائق قليلة، أخذت كيسها وأكملتْ مهمتها التي وضعتها هي على عاتقها، سألتني: هل انتهيتِ من كوب مائك أم بعد!! وضعتْهُ في كيسها الثمين ثم حملته وكأنه مولودها، بل وكأنه من سيترحم عليها لاحقا ويشارك في تأبينها!
كيسها هذا استعزت به بل اعتبرته نجاتها، فلم تشأ أن تحرم من نعمة رفع القمامات الواقعة من غير قصد على الأرض.
تخطى حبك الحدود، وفاق علوه السماوات السبع، هل لي بنفاية أرفعها من مجلسك الطاهر؟! هل لي بغسلة لكوب شاي من مجلسك! هل لي بالجلوس تحت منبرك!
علمت حينها أن الحب له طرق مختلفة للتعبير ولا أحد منا يعلم أي منه يُتقبل أكثر وأي منه أقل، هناك من هو أكبر وأرحم ويرى بغير نظراتنا الدنيوية.
أخذ وردي يتكرر بكل جوارحي: (حسين خلِّيني اعله بابك غير بابك ما ادگ).
اضافةتعليق
التعليقات
2020-09-07