منذ المرحلة الابتدائية ونحن يتم تلقيننا دراسياً وبيئياً وفق المعايير المجتمعية السائدة مع كل جيل دون الأخذ بآرائنا أو محاولة التعرف على رغباتنا الحقيقية فيما نريد أن نفعل أو ندرس أو نعمل لأن كل هذه الرغبات اندرجت تحت أهمية وجود العمل/الوظيفة لتأمين مصدر العيش على حساب الرغبة الفعلية لنوعية العمل هذا من باب قد نكون مجبرين على التعايش معهُ من أجل لقمة العيش. ولكن التعلم المستمر بعيداً يجب أن يكون روتين للإنسان الحديث وليد العصر الغني بالتغيرات المتسارعة.
المجتمع الحالي بغالب فئاتهِ مشغول بتوافه الأمور، فراغ يولد الملل الذي بدوره يولد سلسلة من المشاكل وتغزو السطحية والتفاهة غالبية الأحاديث فباتت الحوارات تافهة غير مفيدة تسترسل بأي مطعم سنتناول إفطارنا مروراً بـ ماهي الأغنية المناسبة لهذه الصورة التي سأنشرها على حالة الانستغرام اليوم ختاماً بـ أي فعالية أو فلم، مسلسل سأرآه هذا المساء لوحدي مع حفنة الشبس والكولا بأجواء انعزالية، وهنا قد فقدنا جلسة العائلة وأحاديثها الدافئة، اجتماعات الأصدقاء بعد أن كانت مليئة بالضحك والقهقات بات كل واحد منهم يمسكُ بهاتفهُ ويجلس أمام الآخر دون تقدير اللحظة الراهنة.
أي إنسان من ذوي العقل والتفهم يرى الحياة باتت قبيحة وبشعة لأننا وصلنا إلى هذا الحد المزري من نمط العيش، انعزالية تامة وانقطاع تام عن الناس عدم تقدير وجود العائلة والأصدقاء وكذلك تفاهة عالية وسطحية بالغة في الاستفزاز مع هرمون الاستغباء القاتل الذي يسري في عروق الفئات الغالبة، لأن العقل الذي ألهمنا الله إياه أستشعر وجوده في أي مكان إلّا رؤوس الناس، صار التفكير بأبسط الأمور عملية غاية في الصعوبة وشبه مستحيلة فالأجيال الحديثة الصاعدة التي تعيش حياة مزرية فكرياً تحتاج إلى قائد يوجههم والأهم تحتاج إلى معلم يعلمهم التفكير واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب فالعجلة بالفعل والقول دون التفكير بنتائج ما بعد الفعل هي المسبب الرئيسي لكثير من المشاكل في المجتمع.
فالواعي في مجتمع التلقين والسطحية والانقياد من الطبيعي شعوره بالغربة والوحدة فالأجواء تحتم عليه النزول لمستوى الأقل منه فكرياً لتلافي الرفض الاجتماعي وعقلهُ يأبى هذا النزول الفكري بغرض التعايش والتأقلم فيبقى يعيش صراعاً بين رغبة الحصول على علاقات اجتماعية وصداقات حقيقية بمستوى حواري عالي ملائم لعقليته في ظل نُدرة العقل والتعقل وبين عدم الرغبة للهبوط في المستوى الفكري والانصياع للقطيع السائد، فهو يريد أن يكون مع المجتمع ولا يريد أن يكون مع القطيع وشتان بين هذا وذاك وهي أحد أبرز المشكلات التي تواجهها هذه الشريحة فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (الْعَقْلُ صَدِيقٌ مَقْطُوعٌ)١.
اضافةتعليق
التعليقات