يقول الخبراء إن الزلازل ليست في حد ذاتها السبب الرئيسي لسقوط العدد الكبير من الضحايا وحدوث خسائر مادية ضخمة، وإنما انهيار المباني غير المقاومة. فكيف يمكن تحسين قدرة المباني على الصمود أمام الزلازل؟
لا تعد الهزات الأرضية في حد ذاتها السبب الرئيسي للكثير من الوفيات في حال وقوع الزلازل، ولكن انهيارات المنازل والمباني والبُنى التحتية هي السبب الجوهري في العدد الكبير من الضحايا.
ويبدو أن هذه النظرية تنطبق على اليابان التي تعصف بها زالزال بشكل متكرر وكان آخرها الزلزال المدمر الذي ضربها مع بداية العام الجديد وبلغت شدته 7.5 درجة وأسفر عن مقتل 62 شخصاً وأكثر من 300 جريح بينهم 20 إصاباتهم بالغة.
كيف تنهار المباني؟
يمكن أن تتسبب الزلازل في تمدد المباني وتعرضها لضغوط أو حتى انهيارها. ويحدث الانهيار عندما تؤثر قوى جسيمة على أجزاء مختلفة من المبنى بما يشبه الضغط على إسفنجة. ورغم أن الجدران الصخرية والطوبية يمكنها أن تتحمل الضغوط الناجمة عن الزلزال بشكل جيد، إلا أنها قد تتشقق عند تمددها ما يعرضها لخطر الانهيار.
ونظراً لكونه مادة أكثر مرونة فإن الفولاذ يدخل في تشييد هياكل المباني الكبيرة والمتوسطة الحجم التي تستطيع مقاومة الزلازل.
ورغم أن البشر عاجزون عن منع حدوث الزلزال، إلا أنهم يستطيعون الحد من تداعياتها وخسائرها المادية والبشرية عن طريق بناء منازل ومباني قادرة على مقاومة الزلازل.
وفي هذا السياق، يقول مهرداد ساساني، أستاذ الهندسة المدنية والبيئية في جامعة نورث إيسترن الأمريكية: "توفر الخرسانة المسلحة بالفولاذ مرونة أفضل على عكس مواد البناء التقليدية مثل الرمل والحصى"، مشدداً على ضرورة تحسين طرق البناء بالإضافة إلى التخطيط الجيد للبناء. ويضيف بأن "استخدام خليط من الطين والرمل عالي الجودة وإضافة القش قد يساعد في سد الشقوق الصغيرة"، لكنه يشدد على ضرورة تعزيز المباني الخرسانية بهيكل مصنوع من مواد مرنة مثل الخيزران أو الفولاذ القادر على الانحناء بشكل كبير قبل أن يتحطم، ما يعني أنه يجب يمتلك قدرة كبيرة على مقاومة الزلازل.
الجدير بالذكر أن اليابان تستخدم منذ عام 1923 الفولاذ في البناء لقدرته على مقاومة الزلازل.
وفي سياق متصل، ذكرت دراسة نشرتها مجلة "نيتشر" أن وجود أسقف خفيفة الوزن ربما يساعد في الحد من الوفيات الناجمة عن انهيار المباني حيث يعاني الأشخاص العالقون تحتها من إصابات أقل خطورة فيما يعتبر الخشب والمعدن أفضل المواد التي يمكن الاستعانة بها في بناء الأسقف مقارنة بالمواد الثقيلة.
حلول خلاقة
شهد العالم ابتكارات جديدة في نظم البناء المقاوم للزلازل. فعلى سبيل المثال، أوصى "المنتدى الاقتصادي العالمي" بتزويد المباني بأنظمة "عزل خاصة بقاعدة المبنى" لفصله عن أساساته باستخدام النوابض وتقنيات أخرى. وفي ذلك، قال المنتدى إن هذه النظرية سوف تقلل من تأثير الزلزال على قاعدة المبنى، موضحاً: "عندما تحدث الهزات الارضية، فإن الاهتزاز الناتج لن يولد ضغطاً على هيكل المبنى". وتستخدم هذه النظرية بشكل كبير في اليابان وتشيلي.
أما نيبال التي تتعرض كثيراً لزلزال، فإنها تستعين بتقنيات غير مكلفة مثل مزج مواد البناء بمواد رخيصة مثل بالات القش والإطارات المستعملة والزجاجات البلاستيكية.
وفي أفريقيا، سيبدأ "صندوق الإسكان والبنية التحتية" في جنوب أفريقيا بتشييد منازل خرسانية بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد (3D) تكون مقاومة للزلازل وتكلفتها معقولة، حيث يُعرف عن الطباعة ثلاثية الأبعاد قدرتها على مقاومة الزلازل، نظراً لأنها عبارة عن هياكل خفيفة الوزن فضلاً عن قدرتها على امتصاص وتبديد الطاقة المنتجة أثناء الهزات الأرضية.
ويرى خبراء أن استخدام التكنولوجيا المتقدمة في نظم البناء لن يقلل من الخسائر المادية جراء وقوع زلزال فحسب، وإنما سوف ينقذ حياة الكثيرين.
دروس من المغرب
في ليلة الثامن من سبتمبر/ أيلول العام الماضي، ضرب زلزال بقوة 6.8 درجة المغرب، وكان مركزه على بعد 75 كيلومتراً من مدينة مراكش ذات الشهرة السياحية. والزلزال هو الأكثر فداحة من حيث عدد القتلى في البلاد منذ عام 1960 والأقوى منذ أكثر من قرن. وسلط الدمار الذي تسبب فيه الضوء على أهمية بناء منازل قادرة على الصمود أمام الزلزال.
وفي ذلك، قال مهرداد ساساني إن الافتقار إلى البنية التحتية القادرة على مواجهة الكوارث بالإضافة إلى سوء تخطيط المدن ربما لعب دوراً رئيسياً في زيادة حصيلة القتلى خاصة وأن نظم البناء في أجزاء كثيرة من المغرب مازالت قديمة وغير مصممة لمقاومة الزلازل، فضلاً عن وجود عدد كبير من المباني القديمة. وأضاف في مقابلة مع DW بأن "المشكلة الرئيسية في المغرب هي استمرار استخدام الطوب في البناء وعدم استخدام التسليح في بناء تلك المنازل".
الجدير بالذكر أن الكثير من سكان المغرب يفضلون استخدام مواد مثل الخرسانة والحصى والطين في البناء بسبب دورها في التقليل من حرارة الشمس، إذ جرى تصميم الكثير من المنازل مع الأخذ في الاعتبار قدرتها على تحمل درجات الحرارة العالية. بيد أنه في المقابل، فإن هذه المنازل غير قادرة على مقاومة الزلازل بشكل عام.
وفي هذا السياق، قال "مجلس المرونة الأمريكي"، الذي يعنى بتنفيذ نظم البناء القادرة على مواجهة الزلازل، إنه بسبب "بنيتها الصلبة وقدرتها المحدودة على استيعاب طاقة الهزات الأرضية الكبيرة، فإن هذه المباني معرضة لخطر الانهيار". وأضاف المجلس أن المباني الخرسانية غير القابلة للتمدد تشكل معظم خسائر الزلازل حول العالم وكان آخرها الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير/ شباط العام الماضي. حسب dw
اضافةتعليق
التعليقات