يقال إن الفكر البشري تجري قولبته من قبل البيئة الزمانية والمكانية وهي شمولية سواء أكان بدائي أو متمدن أو جاهل أو متعلم، ومن بين الأبعاد المحددة التي تقولب بها عقول البعض هي المسلمات تلك البديهيات التي لا تحتاج إلى إقناع من الأخر أو التغيير من ذات الشخص، حتى لو كانت معتمدة على أفكار وسلوكيات سلبية، وهو قول يغالطه البعض وانا منهم فمن المؤكد إن المرء باستطاعته أن يقلب موازين أفكاره ومفاهيمه بالوعي والتفكر والتعليم، فعلامات المتعلم هي الفطنة والوعي والبنية المعرفية المرنة التي تحرره من الخضوع لعاداته وسلوكياته السلبية، وكذلك النباهة لتمييز الصواب والخطأ لأبسط الحركات المنبعثة منه أو ممن حوله، وهذا يميز مشخصات استغلاله لمختلف المعارف.
وهو المتمكن على تكوين جدارا عازلا للأفكار والسلوكيات السيئة أويكون قادرا على اقتلاعها مهما كانت متغلغلة ومتشبثة بداخله، وبالتعليم والتثقيف يستطيع المرء أن يتدارك هذا التقولب ويقلبه بالمعكوس أو يوجهه لمسار تكثر به الصعاب والمتشككين والناقدين والمعترضين لكنه يؤمن بقرارة نفسه إن لديه القدرة ليسلكه فيشع فكره ويحقق غاياته من خلاله.
ولكن يتبادر إلى أذهاننا سؤال: ماذا سيكون إذا أصبح التعليم قاصرا عاجزا ولم يكفل لصاحبه التغيير في مفاهيمه وأفكاره وعاداته الهدامة وأخلاقه السيئة؟
وخير جواب هو ما رأيته في دورة المياه الصحية لأحدى الجامعات فكمية النفايات والأوساخ المرمية على أرضية المغاسل تعطينا مؤشرا خطيرا إن هناك نكوص بالتربية والأخلاق فالطالبة الجامعية التي درست مختلف العلوم برحلة تعليم لما يقارب العشرين عاما ولم تعي بعد أهمية النظافة العامة ولم يتشكل عندها حس المسؤولية فترمي نفاياتها على أرضية المغاسل رغم وجود ملصقات إرشادية لرمي النفايات في سلة المهملات مما حدا بمسئول النادي بمعاقبتهن وترك دورات المياه الصحية دون تنظيف فأصبحت كمكبٍ للنفايات، ويعتبر دليلا قاطعا إن رحلة التعليم تلك لم تكن للفهم والتفكر والإقناع والتطبيق وغرس الأخلاق والقيم وإنما لحشو المعلومات والتلقين رغم إن البلاد لا تعمر بالتكنولوجيا والتطور بدون ركائز أخلاقية وقيم إنسانية.
ويتضح لنا أيضا إن هناك خللا كبيرا في نظام التعليم وهيكليته وأهدافه وانه يتخذ مسارا انحداريا يحتاج إلى معالجة عميقة ودقيقة .
اضافةتعليق
التعليقات