قال تعالى: {لَا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا* يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}(طة:١٠٧-١٠٨).
تُرى ما الارتباط بين انبساط الأرض التي وصفتها الآية الكريمة [ألا عوج فيها(أي مستوية)] و[لا أمْتًا(أي لا ميل)]، مع إتباع الناس للداعي، وخشوع أصواتهم للرحمن -التي هي كناية عن التسليم القلبي، والخضوع النفسي لرب العالمين- ثم إن المشهد مشهد مخيف، فلمَ وردت لفظة (الرحمن) الذي هو وصف جمالي وليس جلالي صريح؟!
ولعل الجواب هو: كأنها تشبيه لحال الإنسان الذي قلبه أرضه، وعقيدته غرس الله تعالى فيه، وإتباعه وانقياده وتسليمه لحجة الله المجعول من قبله في أرضه هو ثمره، وزاده الذي يجعله مستقيماً في دنياه وينجيه في أخراه.
ونحن نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة هذه الفقرة -في ذكر مقامات اللائمة الدعاة عليهم السلام- إنهم : [مَعْدِنَ الرَّحْمَةِ](١)، فهم أعلى مصاديق رحمة الله تعالى ورحمانيته، وفي زماننا يجسدها الحجة ابن الحسن(عج)، داعي الله وربانيه.
وما نردده في ندبتنا لإمامنا(عج): [أَيْنَ الْمُنْتَظَرُ لإِقامَةِ الاَمْتِ وَاْلعِوَجِ](٢) فيه تنبيه لهذه الحقيقة، فليس إقامة الاعوجاج في الأرض رحمة إلهية فقط بل إقامة الاعوجاج الذي في القلوب، والميلان الذي في النفوس للهوى والأنا، هي خلاصة الرحمة الإلهية المرجوة لتحقيق الكمال الإنساني في هذا العالم.
كما إن من الملفت إن الآية قدمت العوج على الأمت، بينما في فقرة دعاء الندبة قدم الأمت على العوج؛ ولعل من أسباب ذلك لأنه على المستوى المادي الأرض غير المستقيمة/ المعوجة السائر عليها وفيها لابد أن يميل حتى يكمل سيره لكن المستقيمة ستُقوم مسير السائر فلن يميل أو يصعب عليه أن يسير باستقامة عليها.
بينما على الجانب المعنوي إن الميل القلبي للحق والنور هو مقدمة تحصيل الاستقامة والعصمة من الاعوجاج، بالنتيجة إن أهل الاستقامة هم ممن لا ميل في نفوسهم ولا انحراف في خطواتهم عن طريق الله تعالى.
وهذا المعنى يجعلنا أصحاب نظرة أشمل أي كما إننا ننتظر أن يَظهر الإمام (عج) ليُقَوِم بذلك المجتمع الإنساني، فيُقِيم كل اعوجاج كان في فكره وسلوكه، نحن كأفراد نطمح أن نكون من المُقيمين والمُساهمين في تَشيد دولة إمام العصر لا نكون ممن ينتظر أن يكون حاله كسائر عامة الناس بل يكون ممن يبحث في طيات نفسه، وجنبات قلبه، ويستعين بنور إمامه الذي يربطه به في غيبته ليُقوم نفسه، ويُعيِ أن إمامه بزيادة وجود المستقيمين قبل ظهوره.
فالإمام (عج) هو مُنتظِر -بمعنى من المعاني- أي يَنتظر منا أن نكون أحد عُماله الذين يسعون في خدمته ونصرته وقضاء حوائجه، لا أن نكون عقبة تحتاج للتقويم والإصلاح ونحن ندعي الانتظار! بل نسعى أن نكون مهيئين للارتقاء ونيل القرب متى ما ظهر عليه السلام.
بالنتيجة إحدى وظائفنا كمنتظرين أن نكون ممن لا ميل في نفوسهم عن جبهة الحق ولا عوج في سلوكهم عن منهج السماء، بل ذو نفوس متهيئة خاشعة مسلمة لاتباع داعي الله وربانيه في غيبته وبعد ظهوره.
_______
اضافةتعليق
التعليقات