لا شك أن المضادات الحيوية تعد من الأدوية المهمة التي تحارب الالتهابات البكتيرية لدى البشر، لكن سوء استخدامها قد يسبب مخاطر صحية، فما الآثار الجانبية لها؟ وما أسباب سوء استخدامها؟ وما مخاطر تناولها دون استشارة الطبيب؟ وما مقاومة المضادات وأسبابها؟ وكيف يتم ترشيد استهلاكها وتناولها بشكل آمن؟
هل المضادات الحيوية تعالج جميع الأمراض؟
أكدت مديرة الصيدلة والصيدلة السريرية في وزارة الصحة الأردنية ونائبة رئيس اللجنة الوطنية لضمان استخدام الأدوية المضادة للميكروبات الدكتورة زينا الهلسة أن المضادات الحيوية تعد من الأدوية المهمة التي تحارب الالتهابات البكتيرية لدى البشر والحيوانات، وتعمل عن طريق قتل البكتيريا أو إيقاف نموها وتكاثرها، وهي تعالج الالتهابات البكتيرية فقط، ولا تعالج الالتهابات الفيروسية، مثل نزلات البرد والرشح وسيلان الأنف، أو التهاب الجيوب الأنفية والتهاب الحنجرة والتهاب الأذن، وغيرها من الأمراض الناجمة عن الفيروسات.
وأضافت في تصريحات خاصة للجزيرة نت، أنه يمكن تناول المضادات الحيوية بطرق مختلفة، إما عن طريق الفم وتكون على شكل حبوب أوكبسولات أو شراب، ومن الممكن استخدامها موضعيا على شكل كريم أو مرهم، وقد تكون على شكل قطرات للعين، أو على شكل حقن تعطى عن طريق العضل أو الوريد في حالات العدوى الأكثر خطورة.
وأشارت الهلسة إلى أن ضمان استخدام أدوية المضادات الحيوية على الوجه الأمثل، هو من أهم القضايا المطروحة على مر السنوات في مجالَي صحة الإنسان وصحة الحيوان.
متى يجب تناول المضادات الحيوية؟
بيّنت الدكتورة الهلسة أن تناول المضادات الحيوية يجب ألا يكون إلا عند الحاجة فقط، لأنها يمكن أن تسبب آثارا جانبية، وتساهم في زيادة مقاومة المضادات الحيوية من قبل البكتيريا.
وتحدث المقاومة عندما تتغير البكتيريا وتصبح قادرة على مقاومة تأثيرات المضادات الحيوية بطرق مختلفة، وهذا يعني أن البكتيريا ستستمر في النمو ولن نستطيع السيطرة عليها.
ما الجائحة الصامتة؟
وكشفت الهلسة أنه في حال تُركت مقاومة مضادات الميكروبات بدون عمل تداخلات للحد منها، فإن الجائحة التالية التي سنواجهها يمكن أن تكون بكتيريّة والتي تسمى "الجائحة الصامتة"، لعدم توفر الأدوية اللازمة لعلاجها. فإنتاج المضادات الحيوية خلال السنوات الأخيرة قليل جدا، بسبب عدم قدرة الشركات العالمية على التصنيع في هذا المجال، نظرا لتزايد قدرة الميكروبات على مقاومة المضادات بسرعة تفوق قدرة الشركات على ابتكار الأدوات اللازمة لمكافحتها.
وتابعت أن الإخفاق المستمر في تطوير وتصنيع وتوزيع مضادات حيوية جديدة وفعالة، يفاقم تأثير مقاومة مضادات الميكروبات، ويهدد قدرتنا على علاج العدوى البكتيرية بنجاح.
وقالت "حاليا يموت أكثر من 700 ألف شخص حول العالم سنويا، بالأمراض التي تسببها البكتيريا التي طورت مقاومة لمضادات الميكروبات"، مشيرة إلى أن منظمة الصحة العالمية تقدر أنه إذا استمرت التطورات الحالية، قد يموت بسببها 10 ملايين شخص كل عام بحلول 2050، ما يجعل مقاومة مضادات الميكروبات أكثر خطورة من أمراض "داء السكري"، و"السل"، و"فيروس نقص المناعة البشري" (الإيدز) مجتمعةً.
كما قدرت منظمة الصحة العالمية وفق الهلسة، أنه يموت 3 من كل 10 أطفال حديثي الولادة يصابون بعدوى في الدم، لأن المضادات الحيوية المستخدمة لعلاج الإنتان (تعفّن الدم) لم تعد فعّالة، مؤكدة أنه بدون مضادات الميكروبات الفعالة، فإن نجاح الطب الحديث في علاج العدوى، بما في ذلك أثناء الجراحات الكبرى والعلاج الكيميائي للسرطان، سيتعرض إلى خطر متزايد.
ترشيد استهلاك المضادات الحيوية على عاتق من يقع؟
وأكدت الهلسة أن ترشيد استهلاك المضادات الحيوية يقع على عاتق الأطباء والصيادلة والكوادر الصحية، وذلك بالالتزام في وصف وصرف المضادات الحيوية، عندما تكون هناك حاجة فعلية إلى ذلك، ووصف وصرف المضاد الحيوي بموجب وصفة طبية، وبعد التحقق مخبريا من نوع البكتيريا التي تسبب العدوى والمضاد الحيوي الأكثر فاعلية لها.
وذكرت أن هناك دورا كبيرا ملقى على عاتق الأشخاص في الاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية، وتقليل تطور مقاومة البكتيريا لها، من خلال طلب نصائح من الطبيب بشأن كيفية علاج الأعراض المرضية، وعدم الضغط على الطبيب لصرف مضاد حيوي، كما أنه يجب استخدام المضادات وفق تعليمات الطبيب والصيدلي، والالتزام بتناول الكمية اليومية الموصوفة لهم وفي الوقت المحدد، وإكمال العلاج بالكامل حتى لو كان هناك شعور بالتحسن، وعدم تناول المضادات الحيوية المتبقية لمرض سابق، فقد لا تكون مناسبة لعلاج المرض الحالي.
ودعت الهلسة إلى عدم تناول المضادات الحيوية الموصوفة لشخص آخر مطلقا، أو التشارك مع أي شخص آخر يتناول مضادا حيويا، بالإضافة إلى ضرورة إخبار الطبيب والصيدلي في حال ظهور أي آثار جانبية عند استخدامها.
كما يُنصح بالحصول على جميع اللقاحات الموصى بها، والتي تحمي من العدوى البكتيرية، ناهيك عن الاهتمام بسبل العناية والنظافة الشخصية بغسل اليدين بالصابون والماء بانتظام، وتنظيف أي جروح أو خدوش لتجنب العدوى البكتيرية التي تحتاج إلى علاج بالمضادات الحيوية، وعدم تناول الأغذية إلا بعد غسل اليدين، مما يقلّل من خطر الإصابة بعدوى بكتيريّة تنتشر بالغذاء.
ما تكلفة مقاومة المضادات على الأنظمة الصحية؟
قالت الدكتورة الهلسة إن لمقاومة المضادات الحيوية تكلفة اقتصادية كبيرة، فبالإضافة إلى الوفاة والعجز، يؤدي المرض البكتيري إلى فترات إقامة أطول في المستشفى، والحاجة إلى أدوية أكثر تكلفة وتحديات مالية كبيرة، لذا أصبح من الضروري اتخاذ إجراءات منسقة للتقليل من مقاومة المضادات الحيوية على المستوى العالمي، وترشيد استهلاكها، وتعزيز ورفع فاعليتها والمحافظة على الفعّال منها.
ولفتت الهلسة إلى أن العديد من بلدان العالم ساهمت بوضع خطط، بهدف التصدي لمقاومة المضادات الحيوية، بالإضافة إلى السياسات العالمية التي تهدف إلى تعزيز الابتكار والبحث والتطوير، في مجال استحداث لقاحات وخيارات ووسائل تشخيص جديدة، وخيارات جديدة لعلاج العدوى، وغير ذلك من الأدوات.
ما الآثار الجانبية للمضادات الحيوية؟
يبيّن أستاذ الأوبئة والصحة العامة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور أنور بطيحة في تصريحات خاصة للجزيرة نت، أن الآثار الجانبية للمضادات الحيوية متعددة، وتختلف من مضاد لآخر، لكن أكثر هذه الآثار حدوثا هي على الجهاز الهضمي، كالاستفراغ والإسهال وألم المعدة والمغص المعوي والانتفاخ، أما الآثار الجانبية الخطيرة جدا فهي الإصابة بجرثومة "الكلوستريديوم العسير" (c.difficile)، والتي تصيب القولون وقد تؤدي للوفاة.
وهناك أعراض أخرى وفق بطيحة مثل الطفح الجلدي وغيره، قد تصاحب استعمال بعض المضادات، كما أنه لا يمكن -في هذا السياق- إغفال حساسية البنسلين التي قد تؤدي إلى "صدمة تحسسية" (anaphylactic shock)، والتي قد تودي بالحياة في خلال دقائق.
ما مخاطر تناول المضادات بدون استشارة الطبيب؟
أكد الدكتور بطيحة على أهمية وصف المضادات الحيوية من قبل الطبيب فقط، نظرا للأعراض الجانبية التي قد تسببها نتيجة استخدامها بشكل خاطئ، إذ إن ذلك قد يؤدي إلى ظهور سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات، وهذه طامة كبرى لصعوبة علاجها وارتفاع تكلفته.
أما مخاطرها على الأطفال وفق ما ذكر، فلا تختلف عما هي على الكبار، لكن الإسهال عند الأطفال الناتج عن المضادات الحيوية، قد يؤدي إلى الجفاف بسهولة أكثر من الكبار، كما أنها ترتبط بقوة بسوء التغذية.
كيف يمكن استخدام المضادات الحيوية بأمان؟
وبيّن الدكتور بطيحة بعض الإجراءات للتمكن من استخدام المضادات بشكل آمن، كالتشخيص الصحيح للمرض البكتيري المراد علاجه، واختيار المضاد المناسب من قبل الطبيب، وحساب الجرعة المناسبة والمدة اللازمة للعلاج من قبل الطبيب، وعدم وجود أسباب صحية عند المريض تمنع استعمال هذا المضاد، كالحساسية أو الفشل الكلوي أو غيرها وفق نوع المضاد، بالإضافة لإعطاء معلومات واضحة للمريض عن المضاد، وما الذي يجب عليه فعله إذا ما حدثت أعراض جانبية.
ما هي مقاومة المضادات وأسبابها؟
قال بطيحة إن بعض البكتيريا الحساسة للمضادات أي التي كان بالإمكان قتلها عن طريق المضادات، تصبح مقاومة لمضاد أو أكثر ولا يمكن قتلها بهذه المضادات.
وأشار إلى أن مقاومة البكتيريا قد تكون لمضاد واحد أو لعدة مضادات، وطبعا كلما تعددت المقاومة أصبح الوضع أصعب، وأنه إذا ما استمر الوضع على ما نحن عليه، فإن كل البكتيريا ستتحول إلى متعددة المقاومة، وبذلك نكون قد حوّلنا عدوا يمكن التعامل معه، إلى عدو عنيد جدا من الصعب التعامل معه، مما يهدد البشرية والثروة الحيوانية والزراعة مستقبلا.
كيف يمكن وقف خطر سوء استخدام المضادات الحيوية؟
وكشف الدكتور بطيحة عن بعض الحلول للحد من خطر سوء استخدام المضادات، إذ لا بد من إنشاء مؤسسات في كل دول العالم لمجابهة هذا التحدي المهدد للبشرية، وإيجاد نظام ترصد قوي لتحديد حجم المشكلة ومتابعتها ووضع الحلول لها، وتطوير سياسات واضحة تتعلق باختيار المضاد المناسب للمرض، وعدم استعمال المضاد في الأمراض التي لا تستجيب للمضادات.
ومن الحلول أيضا، ضرورة تثقيف الأطباء وإدخال موضوع سوء استخدام المضادات، بشكل مكثف في مناهج الكادر الصحي من أطباء وصيادلة وممرضين، وتثقيف الناس حتى لا يشكلوا ضغطا على الكادر الصحي بالرغم عنهم، مع أهمية مراقبة جودة تصنيع المضادات الحيوية خصوصا في الدول النامية، من حيث التقيد بالجرعة، علاوة على ضرورة الحد من استعمال المضادات الحيوية في مزارع الحيوانات، بغرض زيادة الإنتاج والتي تتسرب للناس عبر اللحوم والغذاء. حسب الجزيرة
الصحة العالمية تحذر من أزمة المضادات الحيوية.. وهذه تفاصيلها
كشف تحليل صحي جديد عن وجود نقص حاد في المضادات الحيوية قيد التطوير، لا سيما تلك اللازمة لاستهداف الأمراض التي يحتمل أن تكون خطرة.
وتظهر مراجعة أجرتها منظمة الصحة العالمية أن 12 نوعا جديدا من المضادات الحيوية فقط دخلت سوق الدواء، على مدى الخمس سنوات من 2017 إلى 2021، وأن هناك 27 نوعا من المضادات قيد التطوير حاليا في التجارب السريرية ضد مسببات الأمراض التي تعتبر "حرجة"، وهي أرقام تعتبرها المنظمة قليلة للغاية.
ونُشر التحديث الخاص بالمضادات الحيوية الجديدة، الأربعاء، قبل المؤتمر الأوروبي لعلم الأحياء الدقيقة والأمراض المعدية في كوبنهاغن، الذي يعقد من 15 إلى 18 أبريل.
ومن بين المضادات الـ27 قيد التطوير، تعتبر 6 فقط "مبتكرة" بما يكفي لتكون قادرة للتغلب على مقاومة المضادات الحيوية الرائجة سابقا، واثنان من الستة يستهدفان أشكالا عالية لتلك المقاومة.
وقالت فاليريا جيغانتي، التي تقود قسم مقاومة مضادات الميكروبات بمنظمة الصحة العالمية في جنيف، ببيان: "في السنوات الخمس التي غطاها هذا التقرير، حصلنا فقط على 12 مضادا حيويا معتمدا، مع واحد فقط منها قادر على استهداف جميع مسببات الأمراض التي تعتبرها منظمة الصحة العالمية حرجة".
وأضافت: "من الصعب التنبؤ بما إذا كان سيتم منح ترخيص لهذه الأدوية ومتى سيتم ذلك، لأن الفشل لا يزال احتمالا في المراحل المتأخرة من التجارب".
وقال تقرير منظمة الصحة العالمية إن شركات الأدوية غالبا ما لا تكون متحمسة لتطوير المضادات الحيوية، لأن هذه العلاجات عادة ما تكون قصيرة المدى وأقل ربحا، مشيرا إلى أنها تشكل جزءا صغيرا من الإيرادات للشركات مقارنة بعلاجات أمراض مثل السرطان ومشاكل القلب.
ولفتت جيغانتي إلى أن "زيادة مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية الرائجة في أنحاء العالم أمر مقلق للغاية، وبدون اتخاذ إجراءات فورية فإننا نجازف بالعودة إلى حقبة ما قبل المضادات الحيوية، حيث تنتشر العدوى وتصبح قاتلة".
وقالت: "من خلال زيادة الاستثمار والتعاون يمكننا إحراز تقدم في مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، والتأكد من أن المرضى بإمكانهم الوصول بشكل عادل على مستوى العالم، إلى علاجات فعالة للعدوى".
كما علق على الأمر فينكاتاسوبرامانيان راماسوبرامانيان رئيس جمعية الأمراض المعدية السريرية في الهند، قائلا إن "العالم يعيش بالفعل في عصر ما بعد المضادات الحيوية".
وأضاف: "نحن نفتقر إلى نموذج اقتصادي مستدام لابتكار المضادات. المنتجات الحالية قيد التقييم تلبي بشكل أساسي متطلبات الدول المتقدمة، مما يؤدي إلى عدم توازن قياسا بتلك التي يجب توفيرها للبلدان النامية". حسب سكاي نيوز
اضافةتعليق
التعليقات